فأمّا إنكار أبي عليّ لأن يكون النحل قبل ادعاء الميراث وعكسه الأمر فيه ، فأوّل ما فيه أنّا لا نعرف له غرضاً صحيحاً في إنكار ذلك ، لأنّ كون أحد الأمرين قبل الآخر لا يصحّح له مذهباً ، فلا يفسد على مخالفه مذهباً.
ثم إنّ الأمر في أنّ الكلام في النحل كان المتقدم ظاهراً ، والروايات كلّها به واردة ؛ وكيف يجوز أن تبتدئ بطلب الميراث فيما تدّعيه بعينه نحلاً ! أو ليس هذا يوجب أن تكون قد طالبت بحقها من وجه لا تستحقّه منه مع الاختيار ! وكيف يجوز ذلك والميراث يشركها فيه غيرها ، والنحل تنفرد به !
ولا ينقلب مثل ذلك علينا من حيث طالبت بالميراث بعد النحل ؛ لأنّها في الابتداء طالبت بالنحل ، وهو الوجه الّذي تستحق فَدَك منه ، فلمّا دُفعت عنه طالبت ضرورة بالميراث ، لأنّ للمدفوع عن حقّه أن يتوصّل إلى تناوله بكلّ وجه وسبب ، وهذا بخلاف قول أبي عليّ ، لأنّه أضاف إليها ادعاء الحق من وجه لا تستحقه منه ، وهي مختارة.
وأما إنكاره أن يكون عمر بن عبد العزيز ردّ فَدَك على وجه النحل ، وادعاؤه أنّه فعل في ذلك ما فعله عمر بن الخطاب من إقرارها في يد أمير المؤمنين عليهالسلام ، ليصرف غلاتها في وجوهها ، فأوّل ما فيه أنّا لا نحتجّ عليه بفعل عمر بن عبد العزيز على أيّ وجه وقع ، لأنّ فعله ليس بحجّة ، ولو أردنا الاحتجاج بهذا الجنس من الحجج لذكرنا فعل المأمون ، فإنّه ردّ فَدَك بعد أن جلس مجلساً مشهوراً حكم فيه بين خصمين نصبهما ، أحدهما لفاطمة ، والآخر لأبي بكر ، وردّها بعد قيام الحجة ووضوح الأمر.
ومع ذلك فإنّه قد
أنكر من فعل عمر بن عبد العزيز ما هو معروف مشهور بلا خلاف بين أهل النقل فيه ، وقد روى محمّد بن زكريا الغلابيّ عن شيوخه ، عن أبي المقدام هشام بن زياد مولى آل عثمان ، قال : لما ولي عمر بن عبد العزيز ردّ فدك