الأمرين ، لأنّه إنّما سلّمها على ما وردت به الرواية على سبيل النحل ، فلمّا وقعت المطالبة بالميراث روى الخبر في معنى الميراث ، فلا اختلاف بين الأمرين.
فأمّا إنكار صاحب الكتاب لكون فدك في يدها ، فما رأيناه اعتَمَد في إنكار ذلك على حجّة ، بل قال : لو كان ذلك في يدها لكان الظاهر أنّها لها ، والأمر على ما قال ، فمن أين أنّه لم يخرج عن يدها على وجه يقتضي الظاهر خلافه ! وقد روي من طرقٍ مختلفة غير طريق أبي سعيد الّذي ذكره صاحب الكتاب أنّه لمّا نزل قوله تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (١) دعا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فاطمة عليهاالسلام فأعطاها فَدَك ! وإذا كان ذلك مرويّاً فلا معنى لدفعه بغير حجة.
وقوله : لا خلاف أنّ العمل على الدعوى لا يجوز ، صحيح ، وقد بيّنا أنّ قولها كان معلوماً صحّته ، وإنّما قوله : إنّما يعمل على ذلك متى علم صحّته بشهادة أو ما يجري مجراها ، أو حصلت بيّنة أو إقرار ، فيقال له : إمّا علمت بمشاهدة فلم يكن هناك ، وامّا بيّنة فقد كانت على الحقيقة ، لأنّ شهادة أمير المؤمنين عليهالسلام من أكبر البيّنات وأعدلها ، ولكن على مذهبك أنّه لم تكن هناك بيّنة ، فمن أين زعمت أنّه لم يكن هناك عِلْم ! وإن لم يكن عن مشاهدة فقد أدخلت ذلك في جملة الأقسام.
فإن قال : لأنّ قولها بمجرّده لا يكون جهةً للعلم ؛ قيل له : لم قلت ذلك ؟ أو ليس قد دللنا على أنّها معصومة ، وأن الخطأ مأمون عليها ! ثمّ لو لم يكن كذلك لكان قولها في تلك القضية معلوماً صحّته على كل حال ، لأنّها لو لم تكن مصيبة لكانت مبطلة عاصية فيما ادّعته ، إذ الشبهة لا تدخل في مثله ؛ وقد أجمعت الأمّة على أنّها لم يظهر منها بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم معصية بلا شك وارتياب ؛ بل أجمعوا على أنّها لم تدّع إلّا الصحيح ، وإن اختلفوا ؛ فمن قائل يقول : مانعها مخطئ ، وآخر يقول : هو أيضاً مصيب ، لفقد البيّنة وإن علم صدقها.
_____________________
١ ـ الإسراء : ٢٦.