فوسمتم غير إبلكم ، ووردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل ، إنّما زعمتم ذلك خوف الفتنة : ( أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) (١) ، فهيهات ! وأنّى بكم وأنى تؤفكون ، وكتاب الله بين أظهركم ، زواجره بيّنة ، وشواهده لائحة ، وأوامره واضحة ، أرغبةً عنه تريدون ، أم لغيره تحكمون ؛ بئس للظالمين بدلاً ! ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منهُ وهو في الآخرةِ من الخاسرين ، ثمّ لم تلبثوا إلّا ريث أن تسكن نفرتها ، تُسرون حسواً في ارتغاء ، ونحن نصبر منكم على مثل حزّ المُدَى ، وأنتم الآن تزعمون ألّا إرث لنا : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (٢) يا بن أبي قُحافة ، أترث أباك ولا أرث أبي ، لقد جئت شيئاً فريّاً ! فدونكها مخطومة مرحولة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمّد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ! » ثمّ انكفأت إلى قبر أبيها عليهالسلام ، فقالت :
قد كان بعدَكَ أنباءٌ وَهنبثةٌ |
|
لو كنتَ شاهدَها لم تكثر الخُطَبُ |
إنّا فقدناك فقد الأرض وابِلَها |
|
واختلّ قومُك فاشهدهم ولا تَغِبِ |
وروى حرمي بن أبي العلاء مع هذين البيتين بيتاً ثالثاً :
فليتَ بعدكَ كان الموت صَادَفنا |
|
لمّا قضيت وحالت دونَكَ الكُثُبُ |
قال : فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه وصلى على رسوله صلىاللهعليهوسلم وقال : يا خَيْرَ النساء ، وابنة خير الآباء ، واللهِ ما عدوتُ رأيَ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا عملتُ إلّا بإذنه ، وإنّ الرائد لا يَكذِب أهلَه ، وإنّي أشهد الله وكفى بالله شهيداً ؛ أنّي سمعتُ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
_____________________
١ ـ التوبة : ٤٩.
٢ ـ المائدة ٥٠.