وتعلّل طائفة أخرى منهم للعدول عنه بصغر سنّه ، واستهجانهم تقديم الشباب على الكهول والشيوخ.
وتعلّل طائفة أخرى منهم بكراهية الجمع بين النبوّة والخلافة في بيت واحد ، فيجفَخُون (١) على الناس كما قاله من قاله. واستصعاب قوم منهم شكيمته وخوفهم تعديه وشدته ، وعلمهم بأنّه لا يداجي ولا يحابي ، ولا يراقب ولا يجامل في الدين ، وأن الخلافة تحتاج إلى من يجتهد برأيه ، ويعمل بموجب استصلاحه.
وانحراف قوم آخرين عنه للحسد الذي كان عندهم له في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لشدّة اختصاصه له ، وتعظيمه إياه ، وما قال فيه فأكثر من النصوص الدالّة على رفعة شأنه وعلوّ مكانه ، وما اختصّ به من مصاهرته وإخوّته ، ونحو ذلك من أحواله معه.
وتنكر قوم آخرين له لنسبتهم إليه العُجب والتيه ، كما زعموا ، واحتقاره العرب ، واستصغاره الناس كما عددوه عليه ، وإن كانوا عندنا كاذبين ، ولكنّه قول قيل ، وأمر ذُكر ، وحال نُسبت إليه ، وأعانهم عليها ما كان يصدر عنه من أقوال تُوهم مثل هذا ، نحو قوله : « فإنّا صنائعُ ربّنا ، والناس بعد صنائع لنا » ، وما صحّ به عنده أنّ الأمر لم يكن ليستقيم له يوماً واحداً ، ولا ينتظم ولا يستمرّ ، وأنه لو ولي الأمر لفتقت العرب عليه فتقاً يكون فيه استئصال شأفة الإسلام ، وهدم أركانه ، فأذعن بالبيعة ، وجنح إلى الطاعة ، وأمسك عن طلب الإمرة ، وإن كان على مضض ورَمَضَ.
وقد روي عنه عليهالسلام أنّ فاطمة عليهاالسلام حرضته يوماً على النهوض والوثوب ، فسمع صوت المؤذّن : « أشهد أنّ محمداً رسول الله » فقال لها : « أيسرّكِ زوال هذا النداء من الأرض ! قالت : « لا » ، قال : « فإنّه ما أقول لكِ ».
_____________________
١ ـ يجفخون : يفخرون ويتكبرون ، وهذا ما صرّح به عمر في محاورة له مع ابن عباس.