محقّق ، أخبرني الشيخ عمّن أخبره من المشايخ ، عن الشيخ عليّ بن سليمان البحراني أنّه شاهده وذكر أنّه ليس في مرتبة الاجتهاد ، لأنّه من شدّة دقّته لم يقف علىٰ شيء ، قال الشيخ : وهذه الدقّة تسمّىٰ بالجربزة (١) ، ومن وقف علىٰ مصنّفاته كشرح الاستبصار وحاشية الفقيه عرف صحّة ما نقله الشيخ عنه ، انتهىٰ (٢) .
والواقع أنّ هذا الكلام في عين كونه دقيقاً من جهة مدوّنات الشيخ محمّد إلّا أنّ فيه تساهلاً من جانب آخر ، وهو أنّ الذي نميل إليه أنّ المصنّف رحمهالله لم يكن بصدد تأليف كتاب فقهيّ استدلالي شامل كسائر الشروح المطوّلة الّتي يطرح كتّابها فيها وجهات نظرهم وآراءهم الفقهية ، بل كان غرضه ـ خصوصاً في كتاب الاستقصاء ـ بيان ما ذهب إليه الشيخ الطوسيّ من وجوه الجمع ، وشرحها وتوجيهها ، وإيراد الإشكالات عليها وحلّها إن أمكن ذلك ، وربّما أبدىٰ وجهة نظره في خصوص موردٍ ما ، دون إرادة الوصول إلىٰ النتيجة الفقهية النهائيّة ، فلا يمكن إلقاء التبعة كلها علىٰ حالة التدقيق المفرط عنده التي أخرجته إلىٰ حالة الجربزة ، فإنّ هذه الحالة وإن كانت واضحة في كتابه الاستقصاء ، وربّما في كلّ تآليفاته كما تقدّم نقل ذلك عن بعض الأعلام ، لكنّ الذي نراه هو أنّ هذا الرجل لم يؤلّف كتاباً استدلالياً موسّعاً ليؤاخذ بهذه المؤاخذة ثمّ يتّهم بعدم الاجتهاد ، لأنّ عدم إبداء النظر الأخير كانت له ـ حسب قرائن التأليف ـ مبرراته كما أوضحنا ذلك .
مضافاً إلىٰ أن الكثير من علماء الطائفة المحقّة كانوا لسببٍ أو لآخر ،
__________________
(١) الجُربزة : كلمة فارسية معناها سرعة الفهم والذكاء ـ فرهنگ معين ١ : ١٢٢٣ .
(٢) لؤلؤة البحرين : ٨٤ .