وتتلمذ أيضا على الإمام جعفر الصادق ، وعلى أبيه الإمام محمد الباقر عليهماالسلام ، وعلى زيد بن علي ، وقد أكثر تلميذاه أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني من الرواية عن الصادق عليهالسلام في مسنديهما لأبي حنيفة (١).
وكان أبو حنيفة معتزّا بالسنتين اللتين درس فيهما على الإمام الصادق عليهالسلام وقد عبر عنهما بقوله : « لو لا السنتان لهلك النعمان ».
وكانت طريقة أبي حنيفة في الاستنباط للأحكام الشرعية على ما نقل عنه من الأخذ بكتاب الله فإذا لم يجد فيه أخذ بسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المتواترة. أو ما اتّفق علماء الأمصار على العمل بها ، أو ما رواها صحابي أمام جمع منهم ولم يخالف فيها أحد ، فإذا لم يجد ذلك أخذ بإجماع الصحابة ، فإذا لم يجد ذلك اجتهد وعمل بالقياس ، فإذا قبح القياس عمل بالاستحسان. وكان تشدّده في عدم العمل بالسنّة سببا في كثرة أخذه بالقياس والاستحسان والاجتهاد بالرأي (٢).
وقد اشتهر قول الصادق عليهالسلام في ردّ القياس ونفيه عن أن يكون مصدرا من مصادر التشريع « إنّ دين الله لا يصاب بالعقول ، وإنّ أوّل من قاس إبليس قال : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ».
ونتيجة لذلك المنهج الفقهي فقد حدثت بين أبي حنيفة وبين علماء عصره منازعات ، ومن ذلك ما حدث من وحشة ونفرة بين أبي حنيفة وبين عظماء فقهاء أهل الكوفة ، كسفيان بن سعيد الثوري المتوفّى سنة ١٦١ ه ، لأنّ أبا حنيفة من أهل الرأي وسفيان من أئمّة الحديث ، وشريك بن عبد الله النخعي قاضي الكوفة المتوفّى سنة ١٧٧ ه ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى المتوفّى سنة ١٤٨ ه ، وكان من أصحاب الرأي وهو الذي يقول الثوري فيه وفي ابن شبرمة « فقهاؤنا ابن ابي ليلى وابن شبرمة ».
__________________
(١) أدوار علم الفقه : ١٤٢.
(٢) نفس المصدر : ١٤٢.