الثالث أنهم لما كانوا يتلون القرآن ويأنسون به وقد تصور بصورة لها مناسبة واقعية للقران فهم لانسهم بما يناسبه واقعا يعرفونه ويأنسون به ، ولعدم علمهم بأن هذه صورة القرآن ظنوا أنه رجل وذهب عن بالهم اسمه ، وقيل : لما كان المؤمن في نيته أن يعبد الله حق عبادته ويتلو كتابه حق تلاوته إلا أنه لا يتيسر له ذلك كما يريد و بالجملة لا يوافق عمله ما في نيته كما ورد في الحديث : نية المؤمن خير من عمله فالقرآن يتجلى لكل طائفة بصورة من جنسهم إلا أنه أحسن في الجمال والبهاء ، وهي الصورة التي لو كانوا يأتون بما في نيتهم من العمل بالقرآن لكان لهم تلك الصورة ، وإنما لا يعرفونه كما ينبغي لانهم لم يأتوا بذلك كما ينبغي ، وإنما يعرفونه بنعته ووصفه لانهم كانوا يتلونه ، وإنما وصفوا الله بالحلم والكرم والرحمة حين رؤيتهم لما رأوا في أنفسهم في جنبه من النقص والقصور الناشئين من تقصيرهم ، يرجون من الله العفو والكرام والرحمة. قوله عليهالسلام : في صورة رجل شاحب يقال : شحب جسمه أي تغير ، ولعل ذلك للغضب على المخالفين ، أو للاهتمام بشفاعة المؤمنين ، كما ورد أن السقط يقوم محبنطئا على باب الجنة ، وقيل : لسماعه الوعيد الشديد ، وهو وإن كان لمستحقيه إلا أنه لا يخلو من تأثير لمن يطلع عليه قوله عليهالسلام : إنهم أهل تسليم أي يقبلون كل مايسمعون من المعصومين عليهمالسلام ، ولا يرتابون ولا يتبعون الشبه ووساوس الشيطان قوله عليهالسلام : يا سعد اسمعك كلام القرآن؟ هذا يحتمل وجوها :
الاول أن يقال : تكلم القرآن عبارة عن إلقائه إلى السمع ما يفهم منه المعنى وهذا هو معنى حقيقة الكلام لا يشترط فيه أن يصدر من لسان لحمي ، وكذا تكلم الصلاة فإن من أتى بالصلاة بحقها وحقيقتها نهته الصلاة عن متابعة أعداء الدين وغاصبي حقوق الائمة الراشدين ، الذين من عرفهم عرف الله ومن ذكرهم ذكر الله.
الثاني أن لكل عبادة صورة ومثالا تترتب عليها آثار تلك العبادة ، وهذه الصورة تظهر للناس في القيامة ، فالمراد بقولهم عليهمالسلام في موضع آخر : الصلاة رجل أنها في القيامة يتشكل بإزائها رجل يشفع لمن رعاها حق رعايتها ، وفي الدنيا أيضا لا يبعد أن يخلق الله بإزائها ملكا أو خلقا آخر من الروحانيين يسدد من أتى