الحسن بن سهل المیمون النقیبة ، المحمود السیاسة إلى غایة تجاوز فیها
الماضین وفاز بها الفائزین . وانتهت مکافأة أمیر المؤمنین إیّاه إلى ما جعل له من الأموال والقطائع والجواهر، وإن کان ذلک لا یفی بیوم من أیامه ولا بمقام من مقاماته ، فترکه زهداً فیه، وارتفاعاً من همّته عنه ، وتوفیراً له على المسلمین ، وإطراحاً للدنیا واستصغاراً لها، وإیثاراً للآخرة ، ومنافسة فیها ، وسأل أمیر المؤمنین ما لم یزل له سائلاً وإلیه فیه راغباً من التخلّی والتزهد ، فعظم ذلک عنده وعندنا ، لمعرفتنا بما جعل الله عزّ وجلّ فی مکانه الذی هو بـه مـن العـز للدین والسلطان والقوّة على صلاح المسلمین وجهاد المشرکین ، وما أرى الله به من تصدیق نیته، ویمن نقیبته وصحة تدبیره وقوة رأیه، ونجح طلبته ، ومعاونته على الحقّ والهدى والبر والتقوى . فلما وثق أمیر المؤمنین وثقنا منه بالنظر للدین وإیثار ما فیه صلاحه ، وأعطیناه سؤله الذی یشبه قدره، وکتبنا له کتاب حباء وشرط قد نسخ فی أسفل کتابی هذا ، وأشهدنا الله عزّ وجلّ علیه ومن حضرنا من أهل بیتنا والقوّاد والصحابة والقضاة والفقهاء والخاصة والعامة ، ورأى أمیر المؤمنین الکتاب به إلى الآفاق لیذیع ویشیع فی أهلها ویقرأ على منابرها ویثبت عند ولاتها وقضاتها ، فسألنی أن أکتب بذلک وأشرح معانیه ، وهی على ثلاثة أبواب :
ففی الباب الأول : البیان عن کلّ آثاره التی أوجب الله تعالى بها حقه
علینا وعلى المسلمین .
والباب الثانی : البیان عن مرتبته فی إزاحة علّته فی کل ما دبّر ودخل فیه ، ولا سبیل علیه فیما ترک وکره، وذلک لما لیس لخلق ممّن فی عنقه