قیل : لئلا یهون علیه الأداء فیستخف به ؛ لأنه إذا قضاه متفرّقاً هان
علیه القضاء .
فإن قال : فلِمَ أمر بالحج ؟
قیل : لعلّة الوفادة إلى الله عزّ وجلّ، وطلب الزیادة ، والخروج من کلّ ما اقترف العبد تائباً مما مضى ، مستأنفاً لما یستقبل ، مع ما فیه من إخراج الأموال ، وتعب الأبدان ، والاشتغال عن الأهل والولد ، وحظر الأنفس عن اللذات ، شاخصاً فی الحرّ والبرد ثابتاً ذلک علیه ، دائماً مع الخضوع والاستکانة والتذلل ، مع ما فی ذلک لجمیع الخلق من المنافع فی شرق الأرض وغربها ، ومن فی البر والبحر ، ممّن یحجّ وممن لا یحج ، من بین تاجر وجالب ، وبائع ومشتر، وکاسب ومسکین ، ومکار وفقیر، وقضاء حوائج أهل الأطراف فی المواضع الممکن لهم الاجتماع فیها مع ما فیه من التفقه ونقل أخبار الأئمة الهلال إلى کلّ صقع وناحیة ، کما قال الله تعالى : فَلَوْلَا نَفَرَ مِن کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَلِیُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ ) و لِیَشْهَدُوا مَنَفِعَ لَهُمْ )
فإن قال : فلِمَ أمروا بحجّة واحدة لا أکثر من ذلک ؟ قیل له : لأن الله تعالى وضع الفرائض على أدنى القوم قوةً ، کما قال الله عزَّ وجلَّ: (فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْی ﴾ (۳) یعنی شاةً ؛ لیسع له القوی والضعیف ، وکذلک سائر الفرائض إنّما وضعت على أدنى القوم قوةً ، فکان من تلک الفرائض الحج المفروض واحداً ، ثمّ رغب بعد أهل القوة بقدر
(١) سورة التوبة ٩ : ۱۲۲ (۲) سورة الحج ۲۲ : ۲۸ (۳) سورة البقرة ٢ : ١٩٦ .
طاقتهم.