فإن قال : أتعرفونها أنتم أم لا تعرفونها ؟
قیل لهم : منها ما نعرفه ، ومنها ما لا نعرفه .
فإن قال : فما أوّل الفرائض ؟
قیل : الإقرار بالله وبرسوله وحججه (۱) وبما جاء من عند الله عزوجل . فإن قال : لِمَ أمر الخلق بالإقرار بالله وبرسله وبحججه ، وبما جاء من
عند الله عزّ وجلّ ؟ . قیل : لعلل کثیرة .
منها : إن من لم یقرّ بالله عزّ وجلّ لم یجتنب معاصیه ولم ینته عن ارتکاب الکبائر ، ولم یراقب أحداً فیما یشتهی ویستلذ من الفساد والظلم . وإذا فعل الناس هذه الأشیاء وارتکب کلّ إنسان ما یشتهی ویهواه من غیر مراقبة لأحد کان فی فساد الخلق أجمعین ، ووثوب بعضهم على بعض ، فغصبوا الفروج والأموال ، وأباحوا الدماء والنساء، وقتل بعضهم بعضاً من غیر حق ولا جرم ، فیکون فی ذلک خراب الدنیا ، وهلاک الخلق ، وفساد الحرث والنسل .
ومنها : إنّ الله عزّ وجلّ حکیم ولا یکون الحکیم ولا یوصف بالحکمة إلا الذی یحظر الفساد ، ویأمر بالصلاح ، ویزجر عن الظلم، وینهى عن الفواحش، ولا یکون حظر الفساد والأمر بالصلاح والنهی عن الفواحش إلا بعد الإقرار بالله عزّ وجلّ ، ومعرفة الأمر والناهی . فلو تُرک النّاسُ بغیر إقرار بالله عزّ وجلّ ولا معرفته لم یثبت أمـر
بصلاح ، ولا نهی عن فساد ، إذ لا آمر ولا ناهی .
(۱) جملة ( وبرسوله وحججه) أثبتناها من «ق» ، وفی المطبوع : ( وبرسوله وحجته .