للحسين عليه السلام معتذرا عن خروجه : إنّي كنت قلت في نفسي : لا ابالي أن اصانع القوم في بعض أمرهم ولا يظنّون أنّي خرجت عن طاعتهم. وأمّا هم فسيقبلون من الحسين عليه السلام ما يعرضه عليهم ـ يعني رجوعه من حيث أتى ـ وو اللّه ، لو أنّي ظننتهم أنهم لا يقبلون ما خرجت معهم ، ولا ارتكبت ما ارتكبت ..
فهذا يدلّ على اعتقاده أنّ خروجه وتخلّفه سواء في أنّ كلا منهما لا تترتب عليه جريمة الاشتراك بقتل الحسين عليه السلام ، سوى أنّ التخلّف لمّا كان فيه دلالة على الخروج عن طاعتهم ، آثر عليه الخروج معهم ، مصانعة لهم مع سلامة آخرته. ولمّا رأى أنّها لم تسلم له .. تقدّم إلى الحسين عليه السلام عند أوّل حملة من القوم ، وقتل من قتل فيها ، ولذلك يقول له : ائذن لي أن أكون أوّل قتيل بين يديك.
وقد روى الشيخ جعفر بن محمّد بن نما ـ في المثير (١) ـ : أنّ الحرّ عند خروجه من الكوفة نودي من خلفه : أبشر يا حرّ بالجنة .. (٢) ، فعجب من ذلك حيث لم ير خلفه أحدا.
__________________
فكفّوا وإلاّ زدتكم في كتائب |
|
أشد عليكم من زحوف الديالمه |
وقد غيّر في مقتل أبي مخنف بعض الأبيات واسقط خمسة أبيات وبالإضافة إلى ذكر ابن الأثير هذه الأبيات لعبيد اللّه بن الحرّ الجعفي ؛ فإنّ مضمون الأبيات تأبى الانتساب إلى الحرّ بن يزيد ، وقوله : فيا ندمي أن لا أكون نصرته .. وقوله : وقفت على أجداثهم ومحالهم .. وقوله : أهمّ مرارا أن أسير بجحفل .. شواهد صدق بأنّها لغير الحرّ ابن يزيد.
والعجيب من استاذ آداب اللغة العربية في جامعة عليكره بالهند عبد العزيز الميمفي الراجكوني في تعليقه على خزانة الأدب (طبع مصر لسنة ١٣٤٨) ، حيث يقول : إنّ الأبيات الميمية ليست لعبيد اللّه بن الحرّ الجعفي البتّة ، وإنّما هي للحرّ بن يزيد الرياحي كما هو عند أبي مخنف ..!
(١) مثير الأحزان : ٥٩ ـ ٦٠ تحت عنوان حديث الحرّ مع الحسين عليه السلام.
(٢) في المصدر : بخير.