وأقول : كون الرجل إماميّا ، يحرز من كلام الشيخ رحمه اللّه ، إلاّ أنّه لم يرد فيه مدح يلحقه بالحسان. اللّهم إلاّ أن يستفاد حسن حاله ممّا رواه في كشف الغمة (١) عنه ، قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : «كيف تواسيكم؟» ، قلت : صالح [يا أبا جعفر] قال : «أيدخل أحدكم يده في كيس أخيه ، فيأخذ حاجته؟ [إذا احتاج إليه]» ، قلت : أمّا هذا ، فلا. قال : «أمّا هذا لو فعلتم ما احتجتم».
وجه الاستفادة ؛ أنّ استفسار الإمام عليه السلام عن كيفيّة مواساتهم ، يكشف عن أنّه من خواص الشيعة الملتزمين بجميع الأخلاق الحسنة ، التي منها المواساة.
__________________
وعدم اكتراثه لمن لا يعدّه بمنزلته في العلم ، والمنزلة أوغرت صدور القوم فجعلوا يرمونه بما سمعت ، وكيف لا يكون كذلك مع وصف أجلاّئهم وخبرائهم بأنّه صدوق ، وأنّه لا يرتاب في صدقه وحفظه ، وأنّه لا يتعمد الكذب ، وأنّه ممّن يكتب حديثه ، وأنّه فقيه مفت ، وتأكيد سفيان الثوري لزوم الأخذ عنه بقوله عليكم به ، وثناء شعبة عليه ، وازدحام العلماء على مجلسه يسألونه جثاة على ركبهم ، وكيف تجتمع هذه الأوصاف مع صراحتها بوصفه : إنّه ضعيف الحديث ، وليّن الحديث ، ومضطرب الحديث ، وسيّئ الحفظ ، ونظائرها ، أمّا رميه بأخذ الرشوة في القضاء فلم يشر إليه سوى الأصمعي ، ومتى كان الأصمعي الناصبي من خبراء الجرح والتعديل وقوله حجة في أحوال الرواة ، خصوصا وأنّ المترجم كان من أتباع أهل البيت عليهم السلام ، وانحراف الأصمعي عنهم عليهم السلام لا يحتاج إلى بيان ، فرميه ليس إلاّ من نزعة طائفية مقيتة ، ولو كان ممّن يأخذ الرشى في الحكم لذاع ولشاع ولا أقلّ أشار إليه غيره ، فما رمي به المترجم لا يسوغ الإصغاء إليه ، ولكن تولّيه للقضاء عن ولاة الجور ، وتولّيه منصب الشرطة ، يثبّطنا من الجزم بحسنه ، خصوصا وأنّ علماءنا قدّس اللّه أسرارهم لم يشيروا إلى حسنه أو وثاقته ، واللّه سبحانه العالم بحقيقة الحال.
(١) كشف الغمة ٣٢٤/٢.