وَ إِذَا كُرْسِيٌّ آخَرُ إِلَى جَانِبِ أَبِي اَلْهَيْجَاءِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَلَمَّا بَصَرَنِي أَبُو ظَاهِرٍ اِسْتَدْنَانِي حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى اَلْكُرْسِيِّ، فَأَمَرَنِي بِالْجُلُوسِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيْسَ عَقِيبَ هَذَا إِلاَّ خَيْراً، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: قَدْ كُنَّا عَزَمْنَا فِي أَمْرِكَ عَلَى مَا بَلَغَكَ، ثُمَّ رَأَيْنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نُفَرِّجَ عَنْكَ، وَ أَنْ نُخَيِّرَكَ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَجْلِسَ فَنُحْسِنَ إِلَيْكَ، وَ إِمَّا أَنْ تَنْصَرِفَ إِلَى عِيَالِكَ.
فَقُلْتُ لَهُ: فِي اَلْمُقَامِ عِنْدَ اَلسَّيِّدِ اَلنَّفْعُ وَ اَلشَّرَفُ، وَ فِي اَلاِنْصِرَافِ إِلَى عِيَالِي -وَ وَالِدَتِي عَجُوزٍ كَبِيرَةٍ-اَلثَّوَابُ وَ اَلْأَجْرُ.
فَقَالَ: اِفْعَلْ مَا شِئْتَ، فَالْأَمْرُ مَرْدُودٌ إِلَيْكَ.
فَخَرَجْتُ مُنْصَرِفاً مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَنَادَانِي فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَنْ تَكُونُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؟
فَقُلْتُ: لَسْتُ نَسَباً لَهُ، وَ لَكِنِّي وَلِيُّهُ.
فَقَالَ: تُمْسِكُ بِوَلاَيَتِهِ، فَهُوَ أَمَرَنَا بِإِطْلاَقِكَ وَ اَلْإِفْرَاجِ عَنْكَ، فَلَمْ يُمْكِنَّا اَلْمُخَالَفَةُ لِأَمْرِهِ.
ثُمَّ أَمَرَ فَجُهِّزْتُ، وَ أَصْحَبَنِي مَنْ أَوْصَلَنِي مُكَرَّماً إِلَى مَأْمَنِي، فَلِلَّهِ اَلْحَمْدُ ١.
قال السيّد العالم الفقيه رضي اللّه عنه علي بن موسى بن جعفر بن محمّد ابن طاووس الحسني، أدامه اللّه في العز و أبقاه: هذا آخر ما وقع اختيارنا عليه، و انصرفت الهمة إليه، قد وصل على الوجه الذي استحسناه، و اعتمدنا فيه على ما رويناه، أو نظرناه و لم نتصدّ لما لا يتعلّق بهذا الكتاب، كراهية الإضجار و الإطناب، حتى أنّ الظن تقوى أنّ جماعة ممّن يقف على مضمونه يستكثر ما بسطناه من فنونه، فإنّ شواغل الناس كثيرة، و النفوس المرفقة أو المتوفرة يسيرة، على أنّه قد أحتوى على آداب و زيارات و دعوات و زيادات ما بيّنا، مبسوط شاف،
١) نقله النوري في دار السّلام:٢٩٧.