كِشْمَرْدَ مَعَ أَبِي ظَاهِرٍ سُلَيْمَانَ بْنِ اَلْحَسَنِ اَلْقَرْمَطِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ اَلشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْعَبَّاسِ بْنَ كِشْمَرْدَ، فِي دَارِهِ بِبَغْدَادَ، وَ سَأَلَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامِ بْنِ سُهَيْلٍ اَلْكَاتِبِ رَحِمَهُ اَللَّهُ أَنْ يَذْكُرَ لَنَا حَالَهُ إِذْ كَانَ عِنْدَ اَلْهَجَرِيِّ بِالْأَنْبَارِ.
حَدَّثَنَا أَبُو اَلْعَبَّاسِ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ أُسِرَ بِالْهَبِيرِ مَعَ أَبِي اَلْهَيْجَاءِ بْنِ حَمْدَانَ، قَالَ: وَ كَانَ أَبُو ظَاهِرٍ سُلَيْمَانُ مُكْرِماً لِأَبِي اَلْهَيْجَاءِ، بِأَنْ كَانَ يَسْتَدْعِيهِ إِلَى طَعَامِهِ فَيَأْكُلُ مَعَهُ، وَ يَسْتَدْعِيهِ أَيْضاً بِاللَّيْلِ لِلْحَدِيثِ مَعَهُ.
فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ سَأَلْتُ أبي [أَبَا] اَلْهَيْجَاءِ أَنْ يُجْرِيَ ذِكْرِي عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ اَلْحَسَنِ، وَ يَسْأَلَهُ إِطْلاَقِي، فَأَجَابَنِي إِلَى ذَلِكَ، وَ مَضَى إِلَى أَبِي ظَاهِرٍ فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ عَلَى رَسْمِهِ، وَ عَادَ مِنْ عِنْدِهِ وَ لَمْ يَأْتِنِي، وَ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَغْشَانِي عِنْدَ عَوْدِهِ مِنْ عِنْدِ سُلَيْمَانَ، فَتَسْكُنَ نُفُوسُنَا، وَ يُعَرِّفَنَا أَخْبَارَ اَلدُّنْيَا، فَلَمَّا لَمْ يُعَاوِدْنَا فِي تِلْكَ اَللَّيْلَةِ مَعَ سُؤَالِي إِيَّاهُ اَلْخِطَابَ فِي أَمْرِي اِسْتَوْحَشْتُ لِذَلِكَ، فَصِرْتُ إِلَيْهِ إِلَى مَنْزِلِهِ اَلْمَرْسُومِ، وَ كَانَ أَبُو اَلْهَيْجَاءِ مُبَرِّزاً فِي دِينِهِ، مُخْلِصاً فِي وَلاَيَتِهِ، مُتَوَفِّراً عَلَى إِخْوَانِهِ، فَلَمَّا وَقَعَ طَرْفُهُ عَلَيَّ بَكَى بُكَاءً شَدِيداً، وَ قَالَ: وَ اَللَّهِ يَا أَبَا اَلْعَبَّاسِ لَقَدْ تَمَنَّيْتُ أَنِّي مَرِضْتُ سَنَةً وَ لَمْ أُجْرِ ذِكْرَكَ.
قُلْتُ: وَ لِمَ؟
قَالَ: لِأَنِّي لَمَّا ذَكَرْتُكَ لَهُ اِشْتَدَّ غَضَبُهُ وَ غَيْضُهُ، وَ حَلَفَ بِالَّذِي يَحْلِفُ بِمِثْلِهِ لَيَأْمُرَنَّ بِضَرْبِ رَقَبَتِكَ غَداً عِنْدَ طُلُوعِ اَلشَّمْسِ، وَ قَدِ اِجْتَهَدْتُ فِي إِزَالَةِ مَا عِنْدَهُ بِكُلِّ حِيلَةٍ، وَ أَوْرَدْتُ عَلَيْهِ كُلَّ لَطِيفَةٍ، وَ هُوَ مُصِرٌّ عَلَى قَوْلِهِ، وَ أَعَادَ يَمِينَهُ بِمَا خَبَّرْتُكَ عَنْهُ.
قَالَ: ثُمَّ جَعَلَ أَبُو اَلْهَيْجَاءِ يُطَيِّبُ نَفْسِي وَ قَالَ: يَا أَخِي لَوْ لاَ أَنِّي ظَنَنْتُ أَنَّ لَكَ وَصِيَّةً، أَوْ حَالاً تَحْتَاجُ إِلَيْهِ لَطَوَيْتُ عَنْكَ مَا أَطْلَعْتُكَ عَلَيْهِ مِنْ نِيَّتِهِ، وَ سَتَرْتُ مَا أَخْبَرْتُكَ بِهِ مِنْهُ، وَ مَعَ هَذَا ثِقْ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَ اِرْجِعْ فِي مَا يُهِمُّكَ مِنْ هَذِهِ اَلْحَالَةِ