وأنّ قتلك يريح الإسلام منك والمسلمين من شرّك ، فقال : واللّه ـ يا أمير المؤمنين! أنّى يكون هذا مذهبي! وتلك مقالتي!؟ وما ينطوي عليه ضميري ، وكيف يا أمير المؤمنين! لا أثبت الصانع مع وجود الشواهد الدالّة عليه ، وعندي أنّ الموت مثله كمثل النوم ، وأنّ البعث مثله مثل اليقظة ، وعندي أنّ اللّه سبحانه وتعالى لا يخلي المكلّفين من لطف : إمّا نبيّ أو وصيّ نبيّ يكون الناس معه أقرب للصانع وأبعد عن الفساد ، ثمّ واجب على اللّه أن لا يخرج ذلك من الدنيا حتّى يجعل له خليفة كهو ، يكون الناس معه لحكايتهم مع الصدر الأوّل حتّى يقوم مقامه فيهم ، فهو ـ واللّه ـ يا أمير المؤمنين مذهبي ، فلا تسمع فيّ يا أمير المؤمنين قول المبدّلين المحرّفين المغيّرين المبتّكين آذان الأنعام ، الهمج الرعاع الّذين يطيرون مع كلّ ريح ، ويتّبعون كلّ ناعق وناهق ، الّذين تفرّعت الزندقة من مذاهبهم ، وعملوا بالقياس في أديانهم ، وزووا الخلافة عنك وعن أبيك العباس بما رووه كذبا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من قولهم : نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه يكون صدقة .. كيف يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ذلك! وقال اللّه تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمٰانُ دٰاوُدَ) (١) وقال زكريّا : (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ..) (٢)؟!.
فقال له الرشيد : ويلك! أنت القائل في شعرك :
أصبحت جمّ بلابل الصدر |
|
وأبيت مطويّا على الجمر |
إن بحت طلّ دمي وإن |
|
أكتم يضيق لذلكم صدري |
فقال : بلى ـ واللّه ـ أنا القائل لما ذكرت ، فأين تمامه؟! قال له الرشيد : ويلك!
__________________
(١) سورة النمل (٢٧) : ١٦.
(٢) سورة مريم (١٩) : ٦.