فقام معاوية ، وتفرّق الناس. ثم أمر للأحنف بخمسين ألف درهم ، ولأصحابه بصلة. فقال للأحنف حين ودّعه : حاجتك؟ قال : تدرّ على الناس عطيّاتهم وأرزاقهم ، فإن سألت المدد أتاك منّا رجال سليمة الطاعة ، شديدة النكاية.
وقيل : إنّه كان يرى رأي العلويّة ، ووصل الحبّاب بثلاثين ألف درهم وكان يرى رأي الأمويّة ، فصار الحبّاب إلى معاوية فقال : يا أمير المؤمنين! تعطي الأحنف ـ ورأيه رأيه ـ خمسين ألف درهم ، وتعطيني ـ ورأيي رأيي ـ ثلاثين ألف درهم؟! فقال : يا حبّاب! إنّي اشتريت بها دينه ، فقال الحبّاب : يا أمير المؤمنين! تشتري مني أيضا ديني ، فأتمّها له ، وألحقه بالأحنف ، فلم يأت على الحبّاب اسبوع حتّى مات ، وردّ المال بعينه إلى معاوية فقال الفرزدق يرثي الحبّاب :
أتأكل ميراث الحبّاب (١) ظلامة |
|
وميراث حرب جاحد لك ذائبه (٢) |
أبوك وعمّي يا معاوية أورثا |
|
تراثا فيختار (٣) التراث أقاربه |
ولو كان هذا الدين في جاهليّة |
|
عرفت من المولى الجليل جلائبه (*) |
ولو كان هذا الأمر في غير ملككم |
|
لأدّيته إذ غصّ بالماء شاربه |
فكم من أب لي يا معاوي لم يكن |
|
أبوك الّذي من عبد شمس يقاربه (٤) |
__________________
(١) في المصدر : الحتات.
(٢) في المصدر : وميراث حرب جامد لك ذائبه.
(٣) في المصدر : فيختاز.
(*) خ. ل : القليل خلايبه. [منه (قدّس سرّه)].
(٤) ديوان الفرزدق ٤٥/١ (دار صادر بيروت).