له ذلك بعد استيفاء السن المذكورة، فإنّه مظنة الاحتياج الى ما عنده.
أقول: في كلام القاضي عياض ما ظاهره المخالفة الصريحة لما استحسنه ابن الصلاح و وجّهه، فراجع.
و استدل الرامهرمزي في كتابه المحدث الفاصل بعد التحديد بسن الخمسين بانّه انتهاء الكهولة و مجتمع الأشد.
و قد استدل على الأربعين بأنّه تتناهى عزيمة الانسان و قوته و يتوفر عقله، و يجود رأيه و منتهى الكمال و كلاهما لا وجه له.
و خص ابن الصلاح ذلك بغير البارع في العلم، و ان من حدث قبل تلك السن فلبراعة منه في العلم.
و لم يستحسن الخطيب ان يتصدى صاحب الحديث للرواية إلا بعد دخوله في السن، أما في الحداثة فان ذلك غير مستحسن عنده.
و بالجملة، فان وقت التحديث دائر بين الحاجة أو سن مخصوصة.
و الحق أنّ اعتبار التمييز في فهم الصغير الخطاب و جوابه و ضبطه هو المدار في صحة السماع و الاسماع، و لا حاجة لتحديد سن معينة أو حالة معينة، و هذا لعله المشهور عند المتقدمين و المتفق عليه عند المتأخرين.
و عليه فإنّه متى ما تكامل ما عنده، و اطمأن الى نفسه، و احتيج الى ما لديه استحب له التصدي في أي سن كان، و يجلس له إذا كان قادما على آدابه بحقه و شروطه، كما اختاره جمهرة من المحققين. و قد نقل عن جملة من الشيوخ انهم اسمعوا و حدثوا اوائل بلوغهم و عنفوان شبابهم، كما نصّ على جمع من الجماعة في فتح المغيث: ٢٨٣/٢ و غيره.
اما السن التي اذا بلغها المحدث ينبغي له الإمساك عن التحديث؛ فهو فيما اذا خشى التخليط لهرم أو خرف، كما افاده شيخنا العاملي في وصول الاخيار:
١١١، و ابن الصلاح في المقدمة: ٣٦١ و غيرهما.