و حقّقوه في بيان أروع القواعد و ادق المباني لمنهج التحقيق، و توثيق المرويات، و فحص الأسانيد، و نقد المصادر و.. كل ما يرتبط بالمنهج النقلي الذي تأصّل في مباحث علماء الحديث و الدراية.. و ذلك بتحديدهم ضوابط في الرواية و النقل.. و في التوثيق و الاسناد.. و في الراوي و المحدّث..
و قد ينبهر المتتبّع لما وصل إليه القوم من مستوى رفيع من الدقّة و المداقّة ممّا جعلها إلى يومنا هذا عمدة المنهج النقلي في توثيق المصادر في المجتمع العلمي الإسلامي.
بل - كما في مقدمة المنهج: ٧٩ -: اشتدّت في صرامة دقتها بحيث يشقّ علينا اليوم أن نلتزمها..
و بعد كل هذا فإنّ هذه القواعد و تلك الاصول و المباني - مع كل ما فيها من مداقّة و عمق - لا يمكن التعلّق بها أو الاعتماد عليها بشكل أعمى و لا الأخذ بها من دون رويّة و سبر، بل يلزمنا مع كل ذاك متابعة الحديث متنا و إسنادا و ملاحظة ملابساته صدورا و فقها، و ملاحظة ما حاطته الظروف السياسية و الاجتماعية مماشاة أو تقية طبقا لما خطّه الاقدمون لنا من مشايخنا الأعلام رضوان اللّه عليهم.. فهم عند ما يعرضون عن حديث مثلا - مع توفر شروط الصحة فيه سندا و تمامية دلالته متنا - فليس ذلك جزافا، كما أنّهم لو اخذوا به مع ما فيه فليس ذلك اعتباطا و تشهيا. و هم قد فرقوا بعد هذا بين فروض اللّه سبحانه و ندبه و واجباته و سننه... مما سيأتيك بحثه و اجماله..
و قد صنّف في هذا العلم من الخاصة و العامة كثير، و تلاقفته أيدي التاريخ تدوينا و تبويبا و تنقيحا و ضبطا... و منه تراث مفقود و آخر مهمل، و ندر ما سطع من كل تلك الدفاتر المبسوط و الزبر المضبوطة.. و لعلّ من أجّل ما كتب في هذا الفنّ - من من نعرف - كتابنا الحاضر: مقباس الهداية في علم الدراية