وبعد ان لبى الشيخ المفيد رضوان الله عليه نداء ربه سنة ثلاث عشرة و أربعمائة (٤١٣) هجرية أصبح مورد اهتمام علم الهدى، السيد المرتضى علي ابن الحسين الموسوي، فلازمه ، وتتلمذ عليه نحواً من ثلاث وعشرين سنة حتى توفى رضوان الله تعالى عليه سنة ست وثلاثين بعد الاربعمائة (٤٣٦) هجرية، فاستقل باعباء الامامة للطائفة، فكان علماً للشيعة، ومناراً للشريعة .
فاز دلفت اليه العلماء والفضلاء للتلمذة عليه، والحضور في مجلسه وتحت منبره، وتقاطر عليه المستفيدون من كل حدب وصوب اعترافاً بفضله المتدفق و قدروا منه شخصية ظاهرة، ونبوغاً موصوفاً، وعبقرية في العلم والعمل ، حتى ان الخليفة العباسي ـ آنذاك ـ (القائم بأمر الله) عبد الله بن (القادر بالله) أحمد، جعل له كرسي الكلام والافادة، حيث لا يعطى لاحد يوم ذاك، الالوحيد العصر المبرز في علومه .
وكان محفل درسه يضم المأآت من العلماء ومجتهدي الخاصة والعامة ، وانه كان يدرس الفقه على المذاهب الاسلامية ، اضافة الى مذهب الامامية ، و كتابه (الخلاف) خير دليل على سعة اطلاعه .
لم يبرح شيخ الطائفة كذلك في بغداد مدة اثنتي عشرة سنة، حيث مني المسلمون بالسلجوقين، وقد عرفوا بشدة عدائهم للشيعة ، وتعصبهم للسنة ، فكانوا يثيرون الخلافة العباسية آنذاك بالمسائل التافهة ، ويوجدون الضوضاء بين العامة والخاصة، حتى وقعت نتيجة ذلك الفتنة بين الفريقين سنة (٤٤٨) ذهبت ضحيتها نفوس كثيرة، واحترقت من جرائها مكتبته العظيمة ، وداره في باب الكرخ، وكرسيه الذي كان يجلس عليه للكلام، مما اضطر الشيخ الطوسي (قدس سره) بعد هذه الفجائع العظيمة ، والوقائع الأليمة الى ترك بغداد و الهجرة الى مدينة النجف الاشرف سنة (٤٤٩) .
وحين استقر به المكان في العتبة المقدسة العلوية، بجوار سيد الأوصياء