لما أشرنا إليه من أنّ طريق تحصيله
إنّما هو بالرجوع إلى أخبارهم عليهم السلام والتوفيق بين مختلفاتها بتعليمهم عليهم
السلام ، وهو أمر واضح بيّن لمن أطلق رقبته عن ربقة (١) تقليد غيرهم ، واللّه
المستعان .
قال السيّد رحمه اللّه : « وقد هيأ
اللّه جلّ جلاله لك على يدي كتبا كثيرة في كلّ فن من الفنون التي رجوت أن تدلّك
على ما يقرّبك من مولاك ومالك دنياك واخراك » .
ثمّ شرع رحمه اللّه في ذكر الكتب التي
هيّأها له في كلّ فن ، ووصف ما في أكثر الفنون بالكثرة ، وذكر فنونا كثيرة من
العلم وأمره بمطالعتها ، وقدّر المقدار المهم في أكثرها ، وحتى ذكر كتبا في علم
التاريخ والنجوم والرمل والكيمياء ، وأمثال ذلك من الطّلسمات والرقى ، ومدحها
جميعا من وجه ، وذكر أنّه صنّف في بعضها كتبا ، ثمّ ذكر كثيرا من تصانيفه في العلوم
، ثمّ ذكر كلمات نافعة في العبادات الخمس وأسرارها ، ثمّ ذكر في غيبة مولانا صاحب
الزمان عليه السلام والانتظار للفرج كلمات وفصولا ، وذكر فيها أنّ الناس ليس لهم
صدق في موالاته عليه السلام وانتظار فرجه ، وأوضح ذلك بأمثلة ، ثمّ قال :
« إنّ في يوم ولادتك جعلتك بأمر اللّه
عبد مولانا المهدي عليه السلام ومتعلّقا عليه ، وقد احتجنا ـ كم مرّة عند حوادث
حدثت لك ـ [ إليه ] ورأيناه في عدّة مقامات في منامات وقد تولّى قضاء حوائجك ،
بإنعام عظيم في حقّنا وحقّك لا يبلغ وصفي إليه .
قال : فكن في موالاته والوفاء له وتعلّق
الخاطر به على قدر مراد اللّه ومراد رسوله ومراد الأئمّة عليهم السلام منك ، وقدّم
حوائجه على حوائجك عند صلوات الحاجات ، والصدقة عنه قبل الصدقة عنك وعمّن يعزّ
عليك ، والدعاء له قبل الدعاء لك ، وقدّمه في كلّ خير ، يكون وفاء له ، ومقتضيا
لإقباله عليك واحسانه إليك ، واعرض حاجاتك عليه كلّ يوم الاثنين ، ويوم الخميس من
كلّ أسبوع لما يجب له من أدب الخضوع .
قال : وقل عند خطابه بعد السلام عليه
بما ذكرناه في أواخر الأجزاء من [ كتاب ] « المهمّات » من الزيارة التي نرويها «
سلام اللّه الكامل » يا أيّها العزيز مسّنا وأهلنا الضرّ ، وجئنا ببضاعة مزجاة ،
فأوف لنا الكيل وتصدّق علينا ، إنّ اللّه يجزي المتصدّقين ، تاللّه لقد آثرك اللّه
علينا وإن كنّا لخاطئين (٢) .
______
( ١ ) ـ الربق بالكسر : حبل فيه عدّة
عرى ، الواحدة من العرى : ربقة « الصحاح ـ ربق ـ ٤ : ١٤٨٠ » .
( ٢ ) ـ في كشف المحجة زيادة : يا
مولانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنّا خاطئين .
وقل : يا مولانا هذه مقامات اخوة يوسف
مع أخيهم وأبيهم وقد رجوها [ بعد ] تلك الجنايات ، فإن كنّا غير مرضيّين عند اللّه
جلّ جلاله وعند رسوله صلّى اللّه عليه وآله وعند آبائك وعندك عليكم أفضل الصلوات ،
فأنت أحقّ أن تسعنا من رحمتك وحلمك وكرمك وشريف شيمك ما وسع إخوة يوسف من تعطّفه
عليهم ورحمته لهم وإحسانه إليهم ، إلى آخر ما قال .
ثمّ قال : إنّ طرق تعريف اللّه جل جلاله
لك بجواب مولانا المهدي عليه السلام على قدر قدرته ورحمته .
فمن ذلك : ما رواه محمد بن يعقوب
الكلينيّ في كتاب « الرسائل » عمّن سمّاه ، قال :
كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام : انّ
الرجل يحبّ أن يفضي إلى إمامه ما يحبّ أن يفضي به إلى ربّه ؟ قال : فكتب : « إذا
كانت لك حاجة فحرّك شفتيك ، فإنّ الجواب يأتيك » .
ومن ذلك ما رواه سعيد بن هبة اللّه
الراوندي في كتاب « الخرائج » عن محمد بن الفرج ، قال : قال لي عليّ بن محمد عليه
السلام : « إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها وضع الكتاب تحت مصلاك ، ودعه ساعة ثمّ
أخرجه وانظر فيه » قال : ففعلت فوجدت جواب ما سألت عنه موقّعا فيه (١) .
وقد اقتصرت لك على هذا التنبيه ، والطريق
مفتوحة إلى إمامك عليه السلام لمن يريد اللّه جلّ جلاله عنايته به وتمام إحسانه
إليه » (٢) .
ثمّ ختم الكتاب بوصايا لأمير المؤمنين ،
بعضها مذكور في « نهج البلاغة » وبعضها في غيره ، ونحن نختم هذا الكتاب بكلام
مرويّ عن الصادق عليه السلام في بيان الحق والباطل .
قال عليه السلام : « اتّق اللّه ، وكن
حيث شئت ، ومن أيّ قوم شئت ، فإنّه لا خلاف لأحد في التقوى ، والتقى محبوب عند كلّ
فريق ، وفيه جماع كل خير ورشد ، وهو ميزان كلّ علم وحكمة ، وأساس كلّ طاعة مقبولة
.
والتقوى ماء ينفجر من عين المعرفة
باللّه ، يحتاج إليه كلّ فنّ من العلم ، وهو لا يحتاج إلّا إلى تصحيح المعرفة
بالخمود تحت هيبة اللّه وسلطانه ، ومزيد التقوى يكون من أصل اطّلاع اللّه جلّ
جلاله على سرّ العبد بلطفه ، فهذا أصل كلّ حقّ ، وأمّا الباطل فهو ما يقطعك عن
اللّه ، متفق عليه أيضا عند كلّ فريق ، فاجتنب عنه ، وأفرد سرّك للّه تعالى بلا
علاقة .
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله :
أصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد حيث يقول:
______
( ١ ) ـ الخرائج : ١١٣ .
( ٢ ) ـ كشف المحجة : ١٥١٠ ـ ١٥٤ .