٤٨٥
قال : اعلم أيها الولد الروحاني أني ما اطلعت بحقية دين الإسلام وفضيلته إلا بعد المشيب وانصرام الشباب ، وأنا في الباطن من المسلمين ولكن في الظاهر لا أقدر على ترك هذه الرئاسة والعزة ، وأنت ترى عزتي واقتداري بين النصارى ، ولو فهموا مني ميلاً يسيراً إلى الإسلام يقتلونني ، ولو فررت منهم ونجيت من أيديهم يطلبونني سلاطين المسيحية من سلاطين الإسلام جزماً ، بعنوان أن خزائن الكليسا في يدي ، ولا أظنهم وأكابر المسلمين يحامون عني ويجيروني ويدافعون عن نفسي
وبعد هذا كله لو من الله علي بدخول بلادهم غاية ما يقولون لي : لا تمن علينا إسلامك ، بل السعادة لك أن نجوت من العذاب ، مرحباً بك ، وأمثال هذا ، فكنت أنا مع هذا السن بينهم لا أقدر على طعامي وشرابي ، ولا أفهم لسانهم متحيراً في أمري ، في كمال الفقر والمسكنة ، ولا يراعون حقي وعظمتي .
وأنا بحمد الله في الباطن من تابعي محمد صلى الله عليه وآله ، فبكى المدرس وبكيت أنا كثيراً
فقلت له : أيها الأب الروحاني ، أتأمرني بالدخول في دين المسلمين وتجيز لي ؟
فقال : لو كنت تريد الآخرة والنجاة من أهوال القيامة فلتقبل الحق ظاهراً وباطناً ، وحيث كنت شاباً قوياً لا يبعد من فضل الله وكرمه أن يجمع لك أسباب الدنيوية ويهيىء لك أسباب معاشك ولا تموت من الجوع ، وأنا أدعوك دائماً بشرط أن تشهد لي يوم القيامة بأني أقول دائماً أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وما جاء به محمد حق ، وأن غالب علماء النصارى في ذلك الاعتقاد مثلي .. إلى آخر ما قال في هذا المجال .
١٨٦٧ - كتاب إعراب القرآن : للأديب المسدد واللبيب الممجد