يحامون في يوم الجمل عن عائشة ، ويأخذون بخطام ناقتها ، ويقتلون دونها ، ولهم في هذه الواقعة مقاساة شديدة ، ومحاماة غير سديدة .
قال الواقدي : ما حفظ رجز قط أكثر من رجزٍ قبل يوم الجمل ، لبني ضبّة والأزد الذين كانوا حول الجمل يحامون عنه ، ولقد كانت الرؤوس تندر عن الكواهل والأيدي تطيح من المعاصم ، وأقتاب البطن تندلق من الأجواف ، وهم حول الجمل كالجراد الثابتة لا تتحلل ولا تتزلزل ، حتّى لقد صرخ علي عليهالسلام بأعلى صوته : ويلكم اعقروا الجمل ، فإنه شيطان : ثمّ قال : اعقروه وإلّا فنيت العرب ، لا يزال السيف قائماً راكعاً حتّى يهوي البعير إلى الأرض . فصمدوا له حتى عقروه ، فسقط وله رغاء شديد فلما برك كانت الهزيمة (١) .
وفي رواية أبي مخنف ، عن مسلم الأعور ، عن حبة العُرَني ، قال : فلما رأى علي عليهالسلام أن الموت عند الجمل ، وأنه ما دام قائماً فالحرب لا تطفأ ، وضع سيفه على عاتقه ، وعطف نحوه وأمر أصحابه بذلك ، ومشى نحوه والخطام مع بني ضبّة ، فاقتتلوا قتالاً شديداً ، واستحـرّ القتل في ، بني ضبّة ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ، وخلص علي عليهالسلام في جماعة من النّخع وهمدان إلى الجمل ، فقال الرجل من النّخع اسمه بُحَير : دونك الجمل يا بُحير . فضرب عجز الجمل بسيفه فوقع لجنبه ، وضرب بجرانه الأرض ، وعجّ عجيجاً لم يُسمع بأشدّ منه فما هو إلّا أن صُرع الجمل ، حتى فرّت الرجال كما يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب ، واحتُملت عائشة بهودجها ، فحملت إلى دار عبد الله بن خلف ، وأمر علي عليهالسلام بالجمل أن يحرق ثم يذرى في الريح ، وقال عليهالسلام : لعنه الله من دابّة ! فما أشبهه بعجل بني إسرائيل (٢) ، ثمّ قرأ : ( وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي
__________________
(١) نهج البلاغة ١ : ٢٥٣ (بتوسط) .
(٢) نهج البلاغة ١ : ٢٦٥ .