و کمال توحيده الاخلاص له ، وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار اليه ، ومن أشار اليه فقد حده ، ومن حده فقد عده ، ومن قال : فیم؟» فقد ضمنه ، ومن قال : « علام ؟ ) فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع كل شيء لا بمقارنة ، وغير كل شيء لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة ، بصير اذ لا منظور اليه من خلقه ، متوحد اذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده (۱).
فالذي يمعن النظر في هذه النصوص وامثالها الكثيرة وينصف من نفسه يجد الفرق الكثير بين الرؤية الاسلامية وسائر الرؤى في التوحيد ويلمس عمق الثقافة الاسلامية في هذا المجال. هذا بالنسبة الى البعد الاعتقادي في الاسلام ، وأما البعد السلوكي الاخلاقى فنرى ان الاسلام اعتنى بهذا البعد الى حد كبير بحيث صرح النبي الأمين في قوله : ( انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ، بأن للاخلاق بعداً سامياً في الشريعة الاسلامية ، وكان هو بأبي وامي امثولة للاخلاق السامية حتى قال فيه الذكر الحكيم : « وانك لعلى خلق عظيم ) (۲) وامرنا نحن المسلمون بأن نجعله اسوة في حياتنا حيث قال تعالى : « لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة » (۳) .
والاخلاق في الشريعة الاسلامية ليس شيئا يتطور مع الزمن بمعنى أن تتغير الحقائق الاخلاقية وان تغيرت الاساليب - كما يتوهمه الماركسيون، فليس الكذب قبيحاً في زمان وحسناً في زمان آخر بمجرد تطور الزمن ، وكذا ليس اشباع الشهوات
(۱) نهج البلاغة الخطبة رقم ١ .
(٢) القلم : ٤ .
(۳) الاحزاب : ۲۱ .