من الدلالة التي ذكرها للباء هنا ، والمعنى الذي آل إليه النصّ عنده ، أنّ (في) في قوله عليهالسلام : (في الصِّغَرِ) زائدة ، لكي يستقيم تأويل المعنى على تقدير : ألصقتُ الصِّغَرَ (وهو الهوان والذلّ) بأكابر العرب وساداتهم الذين قتلهم الإمام في صدر الإسلام ، وفي الجَمَلِ وفي صِفِّين. والكَلْكَلُ هو الصدْرُ ، والمعنى على الاستعارة ، والجامع للاستعارة كونهم سبب قوّة العرب ، وهم المحرِّضون على الحرب ، وبهم تُنتَهَضُ ، كما أنّ الكلكل للجمل سببٌ لنهوضه وقيامه وقوَّتهِ(١). على حين ذهب ابن أبي الحديد وحبيب الله الخوئي إلى أنّ (الباء) في (بكلاكل العرب) زائدة ، والتقدير : أنِّي أذللتُهم وصرعتهم إلى الأرض(٢). والذي حملهما على زيادة الباء أنّ الفعلَ (وضع) متعدّ بنفسه إلى مفعولِهِ ، ولمّا كانت الزيادة تعني خلوَّ الحرف من الدلالة ذهب هذان الشارحان وغيرهما إلى القول بأنّ زيادة الباء هنا للتوكيد(٣).
ويبدو أنّ رأيَ البحراني في أنّ الباء هنا للإلصاق أصوب ، وأنّ القولَ بزيادتها غير مقبول ، لأنّ فيه فوتَ المعنى الدلالي لتعدِّي الفعل (وضع) إلى مفعوله بواسطة حرف الجرّ (الباء) ، ذلك أنّ الفعل (وضع) إذا تعدّى إلى مفعوله بنفسه دلّ على الوضع بصورة مطلقة ، فإنْ تعدّى إلى مفعوله بالباء دلّ على تحديد جهة الوضع ، لغرض يتطلّبه مراد المتكلّم في نصِّه ، فالوضع إنّما كان لصدور
__________________
(١) ينظر : شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) ١٣ / ١٩٧.
(٢) ينظر : المصدر نفسه ١٣ / ١٩٧ ـ ١٩٨ ؛ منهاج البراعة ١٢ / ٢٩.
(٣) ينظر : شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) ١٣ / ١٩٧ ؛ منهاج البراعة ١٢ / ٢٩ ؛ مع نهج البلاغة ـ دراسة ومعجم ـ : ١٨١.