أنَّه هزمهم وساق كتائبهم إلى الهزيمة ، فهو المناسب لكلامه عليهالسلام لمناسبة الخطبة. أمّا ما ذهب إليه الراوندي من عَود هذا الضمير على الدعوة النبوية فبعيد ، إذ لم تكن البعثة لتوصف بوصف الساقة ، فهذا التعبير إنّما يعبَّر به عن الحرب ، أو الركب ، ثمّ إنّه لم يوضِّحْ ما معنى قول الإمام : «حتّى ولّت بحذافيرها»؟ هل المقصود منه أنّ الضمير يعودُ على الدعوة النبوية وأنّها قد انتهت بأجمعها؟! أمّا قول محمّد جواد مغنية بأنّه يرجع إلى الناس فبعيدٌ أيضاً ، لأنّه لو كان هكذا لقال : لفي ساقتهم ، بضمير الجمع المذكّر ، كما في قوله عليهالسلام في الخطبة نفسها قبل محلّ الشاهد : «فَسَاقَ اَلنَّاسَ حتّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ ، وبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ ، فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ واطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ».
المبحث الثالث : دلالة الأدوات :
عُنِيَ البحراني في شرحه بدلالة الأدوات ، وبيان الفروق الدلالية لكلّ أداة منها ، وترجيح أحد هذه الوجوه على الأخرى تبعاً للسياق ، ومن أمثلة ذلك :
١ ـ قول الإمام عليهالسلام في شجاعته وفضله : «أَنَا وَضَعْتُ فِي الصِّغَرِ بِكَلاَكِلِ العَرَبِ ، وكَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِيعَةَ ومُضَرَ ، وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله) بِالْقَرَابَةِ اَلْقَرِيبَةِ ، والْمَنْزِلَةِ الخَصِيصَةِ»(١). إذ ذكر البحراني أنّ الباء في قوله «بكلاكل العرب» للإلصاق ، والتقدير : «ألصقتُ بِهُمُ الوَضْعَ والإهانَةَ»(٢). ويُفهَم
__________________
(١) نهج البلاغة (الخطبة ١٩٢) ٤٠٥.
(٢) شرح نهج البلاغة ٤ / ٣١٢.