ولا شكّ أنّ تهمة القول بالتناسخ لا تثبت بحال ؛ أوّلاً لأنّ الغضائري نقلها على أنّها (حكاية) ، دون تأكيد على ذلك ، كما أنّ النصّ مجمل وليس عليه قرائن من روايات السيّاري ، أو من سيرته ، والأهمّ من ذلك أنّ القول بالتناسخ لو كان ثابتاً لاشتهر أمره بين الشيعة ، ولصار السيّاري ملعوناً منبوذاً من أهل عصره ، حاله كحال الغلاة القائلين بالتناسخ ، الذين صدرت بحقّهم تواقيع باللعن والذمّ من قبل الإمام الهادي ومن بعده من الأئمّة عليهمالسلام ، ومن هؤلاء الغلاة (محمّد بن نصير النميري الفهري) ، الذي تنسب إليه الطائفة العلوية النصيرية ، كان في زمان أبي الحسن الهادي عليهالسلام ، وأظهر القول بالتناسخ ، وإباحة المحارم ، والكفر البواح ، فصدرت بحقّه التوقيعات العديدة بلعنه (١) ، أمّا الإمام المهدي عليهالسلام فقد أصدر توقيعاً شاملاً يفضح فيه جملة من الغلاة ومن بينهم النميري ، خرج التوقيع على يد الحسن بن روح (أعلى الله مقامه) وجاء فيه : «أعلمهم تولاّك الله! أنّنا في التوقّي والمحاذرة منه على مثل ما كنّا عليه ممّن تقدّمه من نظرائه ، من : السريعي ، والنميري ، والهلالي ، والبلالي وغيرهم»(٢) ، فلو ظهر من السيّاري قول بالتناسخ أو الحلول ، لكان مصيره كمصير النميري وغيره من الغلاة والمنحرفين ، والحمد لله ليس عندنا شيء من ذلك ، بل كانت كتب الرجل متداولة ، ورواياته مبثوثة في المصادر الحديثية القديمة ، وقد احتفظ بعلاقات جيّدة مع وكلاء الأئمّة عليهمالسلام كما ألمعنا إليه سابقاً ، ووردت بعض النصوص بقربه من حاشية وخدم الإمام
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٨٠٥.
(٢) الاحتجاج ٢ / ٢٩٠.