وقال الشيخ الطوسي بعد أن أعرب عن رأيه حيث ذهب إلى أنّ وجه الإعجاز في القرآن إنّما هو لاختصاصه بالفصاحة المفرطة :
«والذي يدلّ على ما قلناه واخترناه أنّ التحدّي معروف بين العرب بعضهم بعضاً ويعتبرون في التحدّي معارضة الكلام بمثله في نظمه ووصفه ، لأنّهم لا يعارضون الخطب بالشعر ولا الشعر بالخطب ، والشعر لا يعارضه أيضاً إلاّ بما كان يوافقه في الوزن والرويّ والقافية ، فلا يعارضون الطويل بالرجز ، ولا الرجز بالكامل ، ولا السريع بالمتقارب ، وإنّما يعارضون جميع أوصافه ، ثمّ ذكر قول الوليد بن المغيرة لمّا تحيّر حين سمع القرآن ، فقال : سمعت الشعر وليس بشعر ، والرجز وليس برجز ، والخطب وليس بخُطَب ...»(١).
فحاصل ما ذكرناه من الأقوال أنّ القرآن ليس بشعر وأنّه ذو نظم ووزن خاصّ به ، وأنّه ذا فصاحة مفرطة وخارقة.
والمراد بالشعر إنّما هو الشعر العمودي الذي اعتمدته العرب في الجاهلية ، وصار يتداوله الأدب العربي ويتوارثه مرّ الحِقب والعصور ، وهو الشعر الموزون الذي يتألّف من وزن وقافية وهي البحور الستّة عشر بجميع مشتقّاتها التي كانت عليه العرب آنذاك.
فكلّ ما صدرت من أقوال ترمي القرآن بكونه شعراً لا غير ، أو أنّه صار ينقض نفسه بنفسه لأنّ القرآن يدّعي قائلا : (مَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ) و (مَا هُوَ
__________________
(١) التمهيد ٤ / ٦٩.