فى معرض الاحتجاج برأيهم إلا مترحما عليهم ، مشيدا بأقدارهم ، فلا يكتفى بأن يقول مثلا : سمعت شيخنا أبا الفتح ابن جنى ، أو : قال لى الشيخ أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي أدام الله توفيقه ، أو كنت سألت شيخنا أبا بكر محمد بن موسى الخوارزمي رحمهالله ، أو غير ذلك مما يفيد قراءته على شيوخه ، ولكنه حين يستحسن قولا لأحد شيوخه أو رأيا لأحد أساتذته لا ينى عن الإشارة إلى ذلك والإشادة به ، كما صنع مع شيخه أبى الفتح عثمان بن جنى الذي شرح معنى قولهم : لعمر الله ، أنهم يريدون القسم بالحياة التي يحيى بها الله ، لا الحياة التي يحيا بها ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ فكأنّ المقسم إذا أقسم بهذه الحياة دخل ما يخصه منها فى جملة قسمه ، وجرى ذلك مجرى قوله : لعمرى ، فيصير مقسما بحياته التي أحياه الله بها.
وقد أعجب الشريف الرضى برأى أستاذه ابن جنى فى هذا التعبير ، فكتب بعد إيراده : ( وكنت أستحسن هذا القول منه جدا ، وله نظائر كنت أسمعها منه عند قراءتى عليه ، وكان عفا الله عنه كثير الاستنباط للخبايا ، والاستطلاع للخفايا ) (١) فالتلميذ هنا لا يأخذ رأى أستاذه وحسب ، ولكنه يمضى فى استحسانه. ويبالغ فى صفة هذا الاستحسان بقوله : جدا. ثم يشير إلى نظائر لهذا كان يسمعها منه ، ثم يزيد بأن شيخه كان كثير الاستنباط والاستطلاع للخفايا. ولو أراد طالب علم أن يكون لسان صدق لأستاذه وداعية لشيخه ما بلغ ما بلغه الشريف الرضى فى حق شيخه ابن جنى مع بلاغة الإيجاز.
وقد عرفنا شيوخ الشريف الرضى من إشارته إليهم فى « تلخيص البيان « والمجازات النبوية » ، أو من إشارة المؤرخين إلى بعضهم بأنه قرأ عليهم أو أخذ عنهم ، كما فعل
__________________
(١) تلخيص البيان. مجازات سورة النحل.