لهذا لم يكن غريبا على الشريف الرضى أن يرث التسامح واتساع الأفق الديني عن أبيه السمح الموفق. وقد كانت تلمذته ودراسته على مشايخه دليلا على رحابة أفقه المذهبى. فقد كان من شيوخه أبو حفص عمر بن إبراهيم الكناني ، وقد روى عنه الحديث ، وأبو محمد عبد الله بن محمد الأسدي الأكفانى. وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري المتوفى سنة ٣٩٣ ه ، وكان فقيها على مذهب الإمام مالك ، وكان ـ بشهادة المؤرخ ابن الجوزي ـ شيخ الشهود ومقدمهم ، كما كان كريما مفضلا على أهل العلم (١) .
وكانت علاقة الشريف الشيعي بهذا الأستاذ السنى علاقة الابن بأبيه. وقد روى ابن الجوزي أن الشريف قرأ على هذا الشيخ القرآن ، فقال له يوما : أيها الشريف ! أين مقامك ؟ فقال : فى دار أبى بباب المحول ، فقال له : مثلك لا يقيم بدار أبيه ، ونحله الدار التي بالبركة فى الكرخ ، فامتنع الرضى ، وقال : لم أقبل من غير أبى قط شيئا ! فقال له : حقى عليك أعظم لأننى حفظتك كتاب الله ، فقبلها (٢) .
والحق أننا لم نلحظ فيما كتبه الشريف الرضى أو نظمه أثرا لتعصب ممقوت ، أو لمحة من عصبية ظاهرة ، ولم نر فيه خروجا عن جادة الحلم والتوقر حين يغضب لعلى بن أبى طالب أو لأبنائه وحفدته من العلويين ، ولم نلحظ عنده عنفا فى القول ، أو غلاظة فى الدفاع إلا حين تحدث فى « المجازات النبوية » عن حسان بن ثابت شاعر الرسول والدعوة الإسلامية. فحين أخذ يكشف عن وجوه المجاز فى قوله عليهالسلام : ( حسّان حجاز بين المؤمنين والمنافقين ، لا يحبه منافق ولا يبغضه مؤمن ) بدأ يقول : [ وهذا
__________________
(١) المنتظم لابن الجوزي ج ٧ ص ٢٢٣
(٢) المصدر السابق.