ولأستأصلنهم ، يقال : احتنك فلان ما عند فلان أجمع من مال أو علم أو حديث أو غيره ، أخذه كله واستقصاه ] . (١) .
وأين هذا من قول الشريف الرضى فى هذه الآية : [ وهذه استعارة على بعض التأويلات فى هذه الآية ، وهو أن يكون الاحتناك هاهنا افتعالا من الحنك. أي لأقودنهم إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحنكها غير ممتنعة على قائدها ، وهى عبارة عن الاستيلاء عليهم ، والملكة لتصرفهم كما يملك الفارس تصرف فرسه ، بثني العنان تارة ، وبكبح اللجام مرة. وقال يعقوب فى « إصلاح المنطق » : حنك الدابة يحنكها حنكا ، إذا شد فى حنكها الأسفل حبلا يقودها به ، وقد احتنك الدابة ، مثل حنكها ، إذا فعل بها ذلك. وقال بعضهم : لأحتنكن ذريته ، أي لألقين فى أحناكهم حلاوة المعاصي حتى يستلذوها ويرغبوا فيها ويطلبوها ، والقول الأول أحب إلى. وقال بعضهم : لأستأصلن ذريته بالإغواء ، ولأستقصين إهلاكهم بالإضلال ، لأن اتباعهم غيه ، وطاعتهم أمره يؤولان بهم إلى موارد الهلاك ، وعواقب البوار. وقال الشاعر :
نشكو إليك سنة قد أجحفت |
|
و احتنكت أموالنا وجلّفت |
أي أهلكت أموالنا ، ويقال : احتنكه ، إذا استأصله وأهلكه. ومن ذلك قولهم : احتنك الجراد الأرض : إذا أتى على نبتها. وقيل أيضا : المراد بذلك لأضيقن عليهم مجارى الأنفاس من أحناكهم ، بإيصال الوسوسة لهم ، وتضاعف الإغواء عليهم. ويقال : احتنك فلان فلانا : إذا أخذ بمجرى النفس من حنكه ، فكان كالشبا فى مقلته ، والشجا فى مسعله ] (٢) .
يتضح من هذه الأمثلة التي نقلناها هنا من « مجازات القرآن » لأبى عبيدة ما قررناه من
__________________
(١) المصدر نفسه ص ٢٨٤.
(٢) انظر ذلك فى كتاب « تلخيص البيان » فى مجاز هذه الآية من موضعها فى سورة بنى إسرائيل.