تفسيرا لألفاظ القرآن ومعجما لمعانيه. وإذا شئنا أن نأخذ أبا عبيدة بنص كلامه فإننا لا نجد أصرح من مقدمته فى الدلالة على ما ذهبنا إليه. فإنه يقول : ( فلم يحتج السلف ولا الذين أدركوا وحيه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم أن يسألوا عن معانيه ، لأنهم كانوا عرب الألسن ، فاستغنوا بعلمهم عن المسألة عن معانيه ، وعما فيه مما فى كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص. وفى القرآن مثل ما فى الكلام العربي من وجوه الإعراب ، ومن الغريب ، والمعاني ) (١) .
وما لنا ومقدمة أبى عبيدة لنستدل منها على أن المجاز عنده هو تفسير المعنى من غير نظر إلى الاصطلاح البياني الذي لم يظهر فى القرن الثاني الهجري ، وإنما ظهر على شكل لمع متناثرة قليلة فيما كتبه الجاحظ أولا ، وفيما كتبه ابن قتيبة بعده فى كتابه « تأويل مشكل القرآن » وكان ذلك فى النصف الثاني من القرن الثالث الهجري ؟ نقول : ما لنا ومقدمة أبى عبيدة مع أن كتابه كله بين أيدينا فنرى فيه أنه يعنى بالمجاز تفسير المعنى للألفاظ القرآنية ؟
ويتناول القرآن كله من فاتحة الكتاب فالبقرة فآل عمران سورة سورة ، فيعرض ما فى كل سورة من الألفاظ يشرحها شرحا لغويا ويفسر غريبها ويقيم إعرابها ، ذاكرا من الشعر العربي الفصيح ما يؤيد المعنى الذي ذهب إليه ، كقوله فى مجاز قوله تعالى : ﴿ عَذابٌ أَلِيمٌ ﴾ [ أي موجع من الألم ، وهو فى موضع مفعل. قال ذو الرمة :
و يرفع فى صدور شمردلات |
|
يصكّ وجوهها وهج أليم |
الشمردلة : الطويلة من كل شىء ] (٢) .
وكقوله فى مجاز قوله تعالى : ﴿ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ : [ أي بغيهم وكفرهم ، يقال : رجل عمه ، وعامه ، أي جائر عن الحق. قال رؤبة :
و مهمه أطرافه فى مهمه |
|
أعمى الهدى بالجاهلين العمّه ] (٣) |
__________________
(١) صفحة ٨ من « مجازات القرآن » لأبى عبيدة.
(٢) مجازات أبى عبيدة ص ٣٢.
(٣) المصدر السابق ص ٣٢.