مقدمة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المجازات في القرآن
لعل أول كتاب وأقدمه فى « مجازات القرآن » هو الكتاب الذي صنفه أبو عبيدة بهذا العنوان. فإن هذا الرواية من أسبق الرواة إلى التصنيف والتدوين ، لأنه جاء بعد قتادة بن دعامة السدوسي ( المتوفى سنة ١١٧ ه ) . وأبى عمرو بن العلاء ( المتوفى سنة ١٥٤ ه ) وهما لم يخلفا لنا أثرا مكتوبا ، وإنما كانت الأخبار تنقل عنهما مشافهة. أما أبو عبيدة معمر بن المثنى ( المتوفى سنة ٢٠٩ ه ) فقد ترك بعده طائفة من الكتب زادت على المائة ، كما عدها صاحب « الفهرست » . ومن حسن الحظ أن يطبع كتابه « مجاز القرآن » طبعة محققة لأول مرة فى المكتبة العربية (١) .
وليس كتاب أبى عبيدة فى مجازات القرآن بالمعنى الاصطلاحي الذي تناوله الشريف الرضى فى كتاب « تلخيص البيان ، فى مجازات القرآن » وهو ذلك المعنى الذي يوضع اصطلاحا فى مقابل « الحقيقة » كما فعل البيانيون فى تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز. لا ! ليس كتاب أبى عبيدة فى مجازات القرآن بهذا المعنى. ولكن لفظة « المجاز » عنده تساوى طريق الجواز إلى فهم اللفظة القرآنية ، فهو أقرب إلى تفسير غريب القرآن منه إلى الكشف عن وجوه البيان فيه بالمعنى الذي يريده البيانيون (٢) . فالمجاز القرآنى ـ عند أبى عبيدة ـ لا يعدو أن يكون
__________________
(١) حققه السيد فؤاد سزجبن الأديب التركي بجامعة استنبول بمعاونة المستشرق ريتر ، ونشره السيد سامى الخانجى بالقاهرة سنة ١٩٥٤.
(٢) نؤكد هنا أن « مجازات القرآن » لأبى عبيدة لا يدخل فى علوم البيان. وقد وهم مؤلفا « الوسيط فى الأدب العربي » حين ذكرا ذلك فى ص ٢٢٩ وعدا مجازات أبى عبيدة أول كتاب دون فى علوم البلاغة والبيان. والحق أنه تفسير لألفاظ القرآن على طريقة اللغويين لا البيانيين ...