والطرائق : جمع طريقة. وهى ـ فى هذا الموضع ـ المذهب والنحلة. والقدد : جمع قدّة ، وهى القطعة من الشيء المقدود طولا ، مثل فلذة وفلذ ، وقربة وقرب. وقد غلب على ما كان من القطع طولا لفظ القدّ ، وعلى ما كان من القطع عرضا لفظ القطّ. فكأنه سبحانه شبه اختلافهم فى الأحوال ، وافتراقهم فى الآراء بالسّيور المقدودة ، التي تتفرق عن أصلها ، وتتشعب بعد ائتلافها.
وقوله سبحانه : ﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ﴾ [١٥] وهذه استعارة. والمراد أن نار جهنم ـ ونعوذ بالله منها ـ يستدام وقودها بهم ، كما يستدام وقود النار بالحطب ، لأن كل نار لا بدّ لها من حشاش يحشها ، ووقود يمدها.
وقوله سبحانه : ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ [١٩] وهذه استعارة. واللّبد هاهنا كناية عن الجماعات المتكاثرة التي تظاهرت من الكفار على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أي اجتمعوا عليه متألبين ، وركبوه مترادفين. فكانوا كلبد الشّعر ، وهى طرائقه وقطعه التي يركب بعضها بعضا. وواحدتها لبدة. ومنه قيل : لبدة الأسد. وهى الشعر المتراكب على مناكبه. وذلك أبلغ ما شبّهت به الجموع المتعاظلة ، والأحزاب المتألفة.
وقال بعض أهل التأويل : المراد بذلك أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما صلّى الصبح ببطن نخلة (١) منصرفا من حنين ، وقد حضره الوفد من الجن ـ وخبرهم مشهور ـ كادوا يركبون منكبه ، ويطئون أثوابه ، لما سمعوا قراءته ، استحسانا لها ، وارتياحا إليها ، وتعجبا منها.
روى عن ابن عباس فى هذا المعنى ـ وهو أغرب الأقوال ـ أن هذا الكلام من صلة كلام الجن لقومهم لما رجعوا إليهم ، فقالوا إنّا سمعنا قرآنا عجبا. وذلك أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما قام ببطن (١) نخلة يصلى بأصحابه عجب الجن الحاضرون من طواعيتهم له فى
__________________
(١) فى الأصل « بطن نحلة » بالحاء المهملة وهو تحريف والتصويب عن « معجم ما استعجم » للبكرى.