ومن السورة التي يذكر فيها « الصف »
قوله سبحانه : ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [٥] وهذه استعارة. وكنا أغفلنا الكلام على نظيرها فى آل عمران. وهو قوله تعالى : ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ (١) لأن ذلك أدخل فى باب الكلام على الآي المتشابهة ، وأبعد من الكلام على الألفاظ المستعارة. إلا أننا رأينا الإشارة إلى هذا المعنى هاهنا ، لأنه مما يجوز أن يجرى فى مضمار كتابنا هذا ، فنقول :
إن المراد بقوله تعالى : ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا ﴾ أي لا تحمّلنا من التكاليف ما لا طاقة لنا به ، فتزيغ قلوبنا ، أي تميل عن طاعتك ، وتعدل عن طريق مرضاتك ، فتصادفها زائغة ، أو يحكم عليها الزيغ عند كونها زائغة.
وقد يجوز أن يكون المراد بذلك : أي أدم لنا ألطافك وعصمك لتدوم قلوبنا على الاستقامة ، ولا تزيغ (٢) عن مناهج الطاعة. وحسن أن يقال : لا تزغ قلوبنا بمعنى الرغبة فى إدامة الألطاف ، لما كان إعدام تلك الألطاف فى الأكثر يكون عنه زيغ القلوب ، ومواقعة الذنوب.
وقد استقصينا الكلام على ذلك فى كتابنا الكبير.
وأما قوله تعالى فى هذه السورة : ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ فهو أوضح فيما يذهب إليه من الأول ، لأنه سبحانه لما زاغوا عن الحق حكم عليهم بالزّيغ عنه ، وحكمه
__________________
(١) سورة آل عمران الآية رقم ٨.
(٢) فى الأصل « ولا تزغ » وهو تحريف إذ لا محل لجزم الفعل هنا.