بتوفيق الله ومشيئته ، إلا أننا نشير إلى بعض ذلك هاهنا إشارة تليق بغرض هذا الكتاب فى طريقة الاختصار ، وخوف الإكثار (١) ....
وقال بعضهم : المراد بذلك تفخيم شأن الأمانة وأن منزلتها منزلة ما لو عرض على هذه الأشياء المذكورة مع عظمها ، وكانت تعلم ما فيها ، لأبت [ أن (٢) ] تحملها وأشفقت كل الإشفاق منها. إلا أن هذا الكلام خرج مخرج الواقع لأنه أبلغ من المقدر. وقال بعضهم : عرض الشيء على الشيء ومعارضته سواء. والمعارضة ، والمقابلة ، والمقايسة ، والموازنة بمعنى واحد. فأخبر الله سبحانه عن عظم أمر الأمانة وثقلها ، وأنها إذا قيست بالسماوات والأرض والجبال (٣) ووزنت بها رجحت عليها. ولم تطق حملها ، ضعفا عنها. وذلك معنى قوله تعالى : ﴿ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾ ومن كلامهم : فلان يأبى الضيم. إذا كان لا يحتمله. فالإباء هاهنا هو ألّا يقام بحمل الشيء. والإشفاق فى هذا الموضع هو الضعف عن الشيء ، ولذلك كنى به عن الخوف الذي هو ضعف القلب. فقالوا : فلان مشفق من كذا. أي خائف منه .
يقول سبحانه : فالسماوات والأرض والجبال لم تحمل الأمانة ضعفا عنها ، وحملها الإنسان ، أي تقلّدها وقارف (٤) المآثم فيها ، للمعروف من كثرة جهله ، وظلمه لنفسه.
__________________
(١) وهنا بضعة أسطر ممحوة الأنصاف.
(٢) ليست بالأصل. وقد زدناها لأن السياق يتطلبها.
(٣) فى الأصل « وزنت » بواو واحدة. وهو تحريف ، لأنها معطوفة على الفعل قيست.
(٤) فى الأصل « وتعارق » وهو تحريف. ولعل الصواب ما استظهرناه. فإن مقارفة الآثام هى ركوبها واقترافها.