العرب أن تسمى القائل بالظن راجما وقاذفا ، وتسمى السّابّ الشاتم راميا راجما. ويقولون : هذا الأمر غيب مرجّم. أي يرميه الناس بظنونهم ، ويقدرونه بحسابهم.
ومرجّم إنما جاء لتكثير العمل ، كأنه يرمى من هاهنا ، ومن هاهنا. وإنما سمى الظان راجما لأنه يوجه الظن إلى غير جهة مطلوبة ، بل يظن هذا ، ويظن هذا ، كالراجم الذي لا يعلم مواقع أحجاره إذا رمى بها فى الجهات. فتارة تقع يمينا وتارة تقع شمالا.
وقوله سبحانه : ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [٢٨] وهذه استعارة. على أحد التأويلات فى هذه الآية. وهو أن يكون المراد بذلك : أننا تركنا قلبه غفلا من السّمات التي تتسم بها قلوب المؤمنين ، فتدل على زكاء أعمالهم ، وصلاح أحوالهم. كقوله سبحانه : ﴿ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ﴾ (١) وذلك تشبيه بالبعير إذا أغفل فترك بلا سمة يعرف بها ، على عادة العرب فى إقامة السّمات مقام العلامات المميزة بين أموالهم فى الموارد والمراعى وتعريف الضوالّ. وفى هذه الآية أقوال أخر ، القول الذي قدمناه أدخلها فى باب الاستعارة. منها أن يكون معنى ﴿ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ ﴾ أي نسبناه إلى الغفلة. كقول القائل أكفرت فلانا. إذا نسبته إلى الكفر ، وأبخلته إذا نسبته إلى البخل.
ومنها أن يكون المراد : سميناه غافلا بتعرضه للغفلة ، فكأن المعنى : حكمنا عليه بأنه غافل. كما يقول القائل : قد حكمت على فلان بأنه جاهل. أي لما ظهر الجهل منه وجب هذا القول فيه.
ومنها أن يكون ذلك من باب المصادفة. فيكون المعنى : صادفنا قلبه غافلا. كقول
__________________
(١) سورة المجادلة الآية رقم ٢٢