وقوله سبحانه : ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ ، وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا ﴾ [١٦] . وفى هذه الآية استعارتان : إحداهما قوله تعالى : ﴿ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾ والرحمة هاهنا بمعنى النعمة. ولم يكن هناك مطوى فينشر ، ولا مكنون فيظهر. وإنما المراد بذلك : يسبغ الله عليكم نعمته ، على وجه الظهور والشياع ، دون الإخفاء والإسرار. فيكون ذلك كنشر الثوب المطوى وإظهار الشيء الخفي ، فى شياع الأمر ، وانتشار الذكر. والاستعارة الأخرى قوله تعالى : ﴿ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا ﴾ [١٦] . وأصل المرفق ما ارتفق به. وهو مأخوذ من المرفقة. وهى التي يرتفق عليها ، أي يعتمد عليها بالمرفق.
ويقال مرفق ، ومرفق بمعنى واحد. وقد قرئ بهما جميعا بمعنى واحد. فكأنه قال : يهيئ لكم من أمركم ما تعتمدون عليه وتستندون إليه ، ويكون لظهوركم عمادا ، ولأعضادكم سنادا.
وقوله سبحانه : ﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ، وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ﴾ [١٧] . وفى هذه الآية استعارتان : أولاهما قوله تعالى فى ذكر الشمس : ﴿ تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ﴾ لأن التزاور أصله الميل ، وهو مأخوذ من الزّور ، وهو الصدر. فكأنه سبحانه قال : إن الشمس تميل عن هذا الموضع ، كما يميل المتزاور عن الشيء بصدره ووجهه. ويبين بذلك عن موضع الكهف المشار إليه من جهات المشرق والمغرب أن الشمس لا يلحقه ثوبها عند الشروق ، ولا ينفض عليه (١) ... آخر الغروب.
__________________
(١) هنا لفظة غير واضحة بالأصل.