والذي أذهب إليه فى ذلك ما ذكرته فى كتابى الكبير على شرح واستقصاء ، وهو أن يكون المراد بقوله تعالى : ﴿ فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ ﴾ والله أعلم ، أي أخذنا أسماعهم. ويكون ذلك من قول القائل : قد ضرب فلان على مالى. أي أخذه وحال بينى وبينه ، فأما تشبيه ذلك بالضرب على الكتاب حتى تشكل حروفه على المتأمل ففيه بعد وتعسّف.
وقد يجوز أيضا أن يكون المراد بذلك : وضربناهم على آذانهم ، من الضرب الحقيقي ، تشبيها بمن ضرب على سماخه (١) ، فهو موقوذ (٢) مأموم (٣) ، ومشدوه (٤) مغمور.
وقوله سبحانه : ﴿ وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [١٤] . الآية. وهذه استعارة. لأن الربط هو الشدّ. يقال : ربطت الأسير. إذا شددته بالحبل والقدّ (٥) . والمراد بذلك : شددنا على قلوبهم كما تشد الأوعية بالأوكية (٦) ، فتنضمّ على مكنونها ، ويؤمن التبدد على ما استودع فيها. أي فشددنا على قلوبهم لئلا تنحلّ معاقد صبرها (٧) وتهفو عزائم جلدها. ومن ذلك قول القائل لصاحبه : ربط الله على قلبك بالصبر.
__________________
(١) السماخ والصماخ واحد. وهو خرق الأذن الباطن الماضي إلى تجويف الرأس.
(٢) الموقوذ : المضروب ضربا شديدا حتى أشرف على الموت.
(٣) أمه : شجه ، فهو مأموم.
(٤) المشدوه : المشدوخ الرأس.
(٥) القد : السير من الجلد.
(٦) الأوكية : جمع وكاء ، وهو رباط القربة أو ما تشد به.
(٧) فى الأصل : صعرها. وهو تحريف ، وقد أصلحناه من السياق فى لفظة الجلد المقابلة.