وهذه استعارة. لأنهم يقولون : زهقت نفس فلان إذا خرجت. ومنه قوله تعالى : ﴿ وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ (١) فالمراد ـ والله أعلم ـ وهلك الباطل إنّ الباطل كان هلوكا. تشبيها له بمن فاضت نفسه ، وانتقضت بنيته. لأن الباطل لامساك لذمائه ، ولا سماك لبنائه.
وقوله سبحانه : ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ ﴾ [٨٤] وهذه استعارة. لأن الأولى أن يكون المراد هاهنا بالشاكلة ـ والله أعلم ـ الطريقة التي تشاكل أخلاق الإنسان ، وتوافق طبيعته. وذلك مأخوذ من الشاكلة ، وجمعها شواكل ، وهى الطرق المتّسعة (٢) عن المحجة العظمى. فكأن الدنيا هاهنا مشبّهة بالطريق الأعظم ، وعادات الناس فيها ، وطبائعهم التي جبلوا عليها مشبهة بالطرق المختلجة من ذلك الطريق ، الذي هو المعمود وإليه الرجوع.
وقال بعضهم : الشاكلة العلامة ، وأنشد :
بدت شواكل حبّ كنت تضمره |
|
فى القلب أن هتفت فى الدّار ورقاء (٣) |
فكأنه تعالى قال : كلّ يعمل على الدلالة التي نصبت لاستدلاله ، والأمارة التي رفعت لاهتدائه.
وقوله سبحانه : ﴿ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ﴾ [١٠٠] وهذه استعارة ، والمراد بالخزائن هاهنا المواضع التي جعلها الله سبحانه وتعالى
__________________
(١) سورة التوبة. الآية رقم ٥٥.
(٢) هكذا بالأصل. ولعلها : المتشعبة.
(٣) لم أهتد إلى قائل هذا البيت.