أن يكون معناها على ما قاله بعض المفسرين معنى الكذب. قال : وهو جمع عضة ، كما كان فى القول الأول ، إلا أن العضة هاهنا معناها الكذب والزور ، وفى القول الأول معناها التجزئة والتقسيم. وقد ذكر ثقات أهل اللغة فى العضة وجوها. فقالوا : العضه النميمة ، والعضه الكذب ، وجمعه عضون. مثل عزة وعزون ، والعضه السّحر ، والعاضه الساحر.
وقد يجوز أن يكون ﴿ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ﴾ جمع عضة ، من السحر. أي جعلوه سحرا وكهانة ، كما قال سبحانه حاكيا عنهم ﴿ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴾ (١) . و﴿ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ (٢) .
وقوله سبحانه : ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [٩٤] . وهذه استعارة. لأن الصّدع على الحقيقة إنما يصح فى الأجسام لا فى الخطاب والكلام. والفرق ، والصّدع ، والفصل فى كلامهم بمعنى واحد. ومن ذلك قولهم للمصيب فى كلامه : قد طبّق المفصل. ويقولون : فلان يفصل الخطاب. أي يصيب حقائقه ، ويوضح غوامضه. فكأن المعنى فى قوله سبحانه : ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ﴾ أي : أظهر القول وبينه فى الفرق بين الحق والباطل. من قولهم صدع الرداء. إذا شقه شقه شقا بينا ظاهرا. ومن ذلك صدع الزجاجة. إذا استطار فيها الشق ، واستبان فيها الكسر. وإنما قال سبحانه :
__________________
(١) سورة المدثر. الآية رقم ٢٤.
(٢) سورة الأنعام. الآية رقم ٧. وسورة هود. الآية رقم ٧. وسورة سبأ. الآية رقم ٤٣. وسورة الصافات. الآية رقم ١٥.