وقوله سبحانه : ﴿ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [١٠٠] فى قراءة من قرأ : وخرقوا بالتخفيف ، وفى قراءة من قرأ خرّقوا بالتثقيل. فهذه استعارة. والمراد أنهم دعوا له سبحانه بنين وبنات بغير علم ، وذلك مأخوذ من « الخرق » وهى الأرض الواسعة ، وجمعها خروق ، لأن الريح تتخرق فيها ، أي تتسع. والخرق من الرجال : الكثير العطاء ، فكأنه يتخرق. والخرقة : جماعة الجراد مثل الحرقة ، والخريق : الريح الشديد الهبوب. فكأن معنى قوله تعالى : ﴿ وَخَرَقُوا لَهُ ﴾ أي اتّسعوا فى دعوى البنين والبنات له ، وهم كاذبون فى ذلك. ومن قرأ ؛ وخرّقوا (١) فإنما أراد تكثير الفعل من هذا الجنس. والاختراق ، والاختلاق ، والاختراع ، والانتسال بمعنى واحد ، وهو الادعاء للشيء على طريق الكذب والزور.
وقوله سبحانه : ﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ [١١٢] وهذه استعارة. لأن الزخرف فى لغة العرب : الزينة. ومن ذلك قولهم : دار مزخرفة أي مزيّنة. فكأنه تعالى قال : يزينون لهم القول ليغتروا به ، وينخدعوا بظاهره ، كما يستغرّ بظاهر جميل ، على باطن مدخول.
وقوله تعالى : ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [١١٠] وهذه استعارة. لأن تقليب القلوب والأبصار على الحقيقة وإزالتها عن مواضعها ، وإقلاقها عن مناصبها لا يصح والبنية صحيحة والجملة حيّة متصرفة. وإنما المراد ـ والله أعلم ـ أنا نرميها بالحيرة والمخافة ، جزاء على الكفر والضلالة. فتكون الأفئدة مسترجعة لتعاظم أسباب المخاوف ، وتكون الأبصار منزعجة لتوقع طلوع المكاره. وقد
__________________
(١) وقرئ : « وحرفوا » بالحاء المهملة والفاء. أي زوروا. انظر « أنوار التنزيل وأسرار التأويل » طبع دار الكتب العربية الكبرى ، ج ٢ ص ٢٠١.