سورة الأنعام
قوله تعالى (١) : ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [٤٥] وهذه استعارة. لأن الأصل فى هذه اللفظة : دابرة الفرس ، وجمعها دوابر ، وهى ما يلى حافره من خلفه. ودابرة الطائر : هى الشاخصة التي خلف رجله ، وتدعى الصّيصيّة (٢) أيضا. فالمراد بقوله سبحانه : ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [٤٥] والله أعلم : أي قطعت عنهم الأمداد اللاحقة بهم من خلفهم ، والتالون لهم فى غيهم وضلالهم. أو قطع خلفهم. من نسلهم ، فلم تثبت لهم ذرية ، ولم يبق لهم بقية.
وقوله سبحانه : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم ﴾ [٤٦] وهذه استعارة. والمراد بالأخذ هاهنا إبطال حواسهم. وإذا بطلت فكأنها قد أخذت منهم ، وغيّبت عنهم.
وقوله تعالى : ﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ﴾ [٥٩] وهذه استعارة. والمراد : وعنده الوصلة إلى علم الغيب ، فإذا شاء فتحه لأنبيائه وملائكته (٣) ، وإن شاء أغلق عنهم علمه. ومنعهم فهمه. وعبر تعالى عن ذلك بالمفاتح ، وهى أحسن عبارة ، وأوقع استعارة. لأن كل ما يتوصل به إلى فتح المبهم ، وبيان المستعجم سمّى بذلك. أ لا ترى إلى قول الرجل لصاحبه إذا أشكل عليه أمر أو اختلّ له حفظ : افتح علىّ. أي : بيّن لى وفهّمنى ما عزب عنى.
__________________
(١) هنا ورقة ضائعة من الأصل من أول سورة الأنعام إلى الآية رقم ٤٥.
(٢) الصيصية والصيصة : شوكة الحائك ، وشوكة الديك أو الطائر. والجمع صياص.
(٣) فى الأصل « ومليكته » وهى طريقة الناسخ فى الإملاء.