و النّبع فى الصخرة الصماء منبته |
|
و النخل ينبت بين الماء والعجل |
والشريف هنا يبدو ناقدا أديبا لغويا دقيقا ، فهو لا يحتج بشعر من لا يحتج بشعرهم من المولدين ، وقد لاحظنا أنه فى « المجازات النبوية » و « تلخيص البيان » لم يستشهد إلا بشعر عربى فصيح صحيح ، فلم يستشهد مرة واحدة ببيت مولد.
ونراه فى مجازات سورة الزمر يسوقه القول إلى بيت الأعشى :
فتى لو ينادى الشمس ألقت قناعها |
|
أو القمر الساري لألقى المقالدا |
فيقول : ( وقال بعض العلماء : ليس قول الشاعر هاهنا « ينادى الشمس » من النداء الذي هو رفع الصوت ، وإنما هو من المجالسة. تقول : ناديت فلانا ، إذا جالسته فى النادي ، فكأنه قال : لو يجالس الشمس لألقت قناعها شغفا به ، وتبرجا له. وهذا من غريب القول ) .
وفى مجازات سورة الحشر نراه يقول فى مجاز قوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ : ( ... المعنى أنهم استقروا فى الإيمان ، كاستقرارهم فى الأوطان. وهذا من صميم البلاغة ، ولباب الفصاحة. وقد زاد اللفظ المستعار هاهنا معنى الكلام رونقا. أ لا ترى كم بين قولنا : استقرّوا فى الإيمان ، وبين قولنا : تبوّءوا الإيمان. وأنا أقول أبدا : إن الألفاظ خدم للمعانى ، لأنها تعمل فى تحسين معارضها ، وتنميق مطالبها ) . فقوله رضى الله عنه : « وأنا أقول أبدا » يحمل معنى قيامه بقضية البلاغة ، وخدمة الألفاظ للمعانى ، مع مضيه فى هذه الدعوة البيانية ، والزعامة البلاغية إلى حد المناداة على نفسه.