فأوسعني قبل العطاء كرامة |
|
و لا مرحبا بالمال إن لم أكرّم |
وهذا ربما يؤخذ منه أنه لا يتهالك على المال ، وانه يؤثر عليه صيانة الغرض والكرامة ، استمساكا بالعزة والأنفة ، لا كمن يمدح الملوك للاسترفاد وأخذ المال بأيّ وسيلة ممكنة. وهذا توسط بين طرفي الابتذال والإباء ، لا يعاب سالكه ولا يهدم شرف الشريف انتهاجه ، ولربما يدعم بمثل قوله للمهلبي :
فهذا ثنائي لا أريد به الغنى |
|
ابى المجد أني أجعل المدح مكسبي |
كم عرّضوا لي بالدنيا وزخرفها |
|
لمع الهلوك فلم أرفع لها رأسا |
أريد الكرامة لا المكرمات |
|
و نيل العلا لا العطايا الجساما |
وهذا التوسط هو الذي صيّره مقلا ـ فيما يزعم ـ على وفور ما عنده ، وهو الذي جعله يلهج بالقناعة كثيرا ، ويكثر من التلهف على بلاغ من العيش يناله بعزة ، نحو قوله :
من لى ببلغة عيش غير فاضلة |
|
تكفني عن قذى الدنيا وتكفيني |
أخيّ ! من باع دنياه وزخرفها |
|
بصونه كان عندي غير مغبون |
وعلى العلات ، فاني لا اعرف في عصر الشريف بل في اكثر العصور شاعرا استكبر على الكسب بالشعر ، بل لا نكاد نعرف للشعراء غرضا من نظم الشعر في الأغلب إلّا التماس الوفرية ، لكن الشريف يتكبر على تلك العادة السيئة ويأنف من المدح ، إلّا أن يكون فيه نوع من الكرامة لا يحط من شرفه ولا يضع من مقداره ؛ ولذا نراه يندد بمن لا يبالى إذا حصل له المال من اي طريق اجتلبه.