عن عمر أنّه قال على المنبر : ما تقولون في قوله تعالى : (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ)١ فسكتوا ، فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا. التخوّف : التنقص ، قال : فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم. قال : شاعرنا ـ زهير ـ أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقّص السير سنامها بعد تمكِه واكتنازه :
تَخَوَّفَ الرحلُ مِنها تامكاً قَرداً |
|
كَما تخوّفَ عُود النبعة السفن ٢ |
فقال عمر : أيّها الناس عليكم بديوانكم لا يضلّ ، قالوا : وما ديواننا ؟ قال : شعر الجاهلية ، فانّ فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم.
روى أبو الصلت الثقفي أنّ عمر بن الخطاب : قرأ قول الله : ( وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ) ٣ بنصب الراء وقرأها بعض من عنده من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بخفض الراء ، فقال : أبغوني رجلاً من كنانة ، واجعلوه راعياً وليكن مدلجياً ، فأتوه به ، فقال له عمر : يا فتى ! ما الحرجة فيكم ؟ فقال : الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار الّتي لا تصل إليها راعية ولا وحشيّة ولا شيء ، فقال عمر : كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير. ٤
روى عبد الله بن عمر قال : قرأ عمر بن الخطاب هذه الآية : ( مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ، ثمّ قال : ادعوا لي رجلاً من بني مدلج ، قال عمر : ما الحرج فيكم ؟ قال : الضيق. ٥
وكم لهذه القصص من نظائر في التاريخ ، وهذا هو نافع بن الأزرق ، لمّا رأى
__________________
١. النحل : ٤٧.
٢. التفسير ( للقرطبي ) : ١٠ / ١١٠ ، تَمَكَ السنام : طال وارتفع ، القرد : المتراكم بعض لحمه فوق بعض ، النبعة : شجرة من أشجار الجبال ، يتخذ منها القسي ، السفن : القشر.
٣. الأنعام : ١٢٥. |
٤. الدر المنثور : ٣ / ٤٥. |
٥. كنز العمال : ١ / ٢٥٧. |