بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على رسوله وآله الطيبين الطاهرين والشكر له إذ قد أرسل لنا رسولاً هادياً ، بشيراً ونذيراً وسراجاً منيراً ، علّمه الحكمة وفصل الخطاب ، وأنزل عليه الكتاب فيه تبيان لكلّ شيء بلسان عربي مبين ، ولم يجعل فيه إبهاماً ولا إجمالاً إلاّ و وضّحه على لسان رسوله الكريم ، الذي لم ينطق بكلمة إلاّ وهي عن وحي مبين ، وأخبر بذلك الاُمّة ، فقال عزّ وجلّ : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (١) وزاده شرفاً فأوجب الصلاة والتسليم عليه بقوله : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٢) .
ومن المعلوم أنّ أفعال المرء مرآة أقواله؛ إذ تدلّ على مشربه ومسلكه ، وليس من المعقول أنّ الذي لايتكلّم إلاّ عن وحي يفعل لا عن وحي ، فهذا تناقض بيّن ، وخلاف ما تمليه الحكمة ، ولا يمكن تصوّر أن يرسل الحكيم رسولاً قوله يخالف فعله؛ إذ لا يفي بغرض التبليغ ، ويكون إرساله عبثاً ولغواً ، بل ضرره محرز ونفعه منتف قطعاً ، وأيضاً لا يناسب المبلِّغ أن يسكت عند ما يفعل الآخرون بحضرته فعلاً يخالف مباني رسالته وهو قادرعلى الأمر والنهي ، ومبعوث له.
هذا ، ولا خلاف بين المسلمين أنّ السنّة هي عبارة عن قول الرسول
__________________
(١) سورة النجم ٥٣ : ٣.
(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٦.