(
ثمَّ تولَّوْا
عنهُ وقالُوا معلّمٌ مجنونٌ (١٤) ) .
وقد دلت الأحداث الاستقرائية ، والسيرة
الذاتية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
على رجاحة عقله ، واتزانه في تصرفاته ، وتأكد لهم افتراؤهم بما شاهدوه من مجريات
الأمور ، وقد لبث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
بين ظهرانيهم حقبا طويلة قبل البعثة ، فما مسكوا زلة ، ولا أدركوا غفلة ، وقد أشار
القرآن الكريم إلى هذه النكتة الدقيقة بقوله :
(
فقدْ لبثتُ
فيكُمْ عُمُراً من قبلِهِ أفلا تعقلونَ
) .
وترددوا بقول الكهانة من بعد الجنون ، فرد
افتراءهم القرآن بما أمره به : (
فذكِّرْ فما
أنتَ بنعمتِ ربِّكَ بكاهنٍ ولا مجنونٍ
(٤٢) ) .
فما كان محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا بشيرا ونذيرا ، وما كان الوحي إلا
ذكراً للعالمين ، فأين هو من الكهانة (
ولا بقولِ كاهنٍ
قليلاً ما تذكّرونَ ) .
وحينما أعيتهم الحيلة ، ووقف بهم المنطق
السليم ، انطلقوا إلى القول : (
إنْ هذا إلا
سحرٌ يؤثَرُ )
شأنهم في هذا شأن من تقدمهم من الأمم مع أنبيائهم ورسائلهم ، حذو القذة بالقذة ، من
الادعاءات ، قال تعالى : (
كذلكَ ما أتَى
الّذينَ من قبلِهِم من رّسولٍ إلا قالوا ساحرٌ أو مجنونٌ
(٥٢) ) وقد علموا جدياً ، أن محمداً صلىاللهعليهوآلهوسلم في أصالته العقلية ، أبعد ما يكون عن
السحر والشعبذة والتمويه من قبل ومن بعد.
وتمسكوا بأوهن من بيت العنكبوت ، فأشاعوا
بكل غباء أن لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
معلماً من البشر ، وهو غلام رومي يمتهن صناعة السيوف بمكة ، فألقمهم القرآن حجراً بردهم
رداً فطرياً : (
لسانُ الذي
يُلحدونَ إليهِ
__________________