العلوم النبوية دررها وجواهرها وقيدوها بغاية الاحتياط في كتبهم وأصولهم المصححة التي كانوا يكتبونها غالبا من إملاء أئمتهم بمحضرهم صونا عن التغيير والتبديل كما ورد في الحديث المعتبر الذي رواه المشايخ العظام بأسانيدهم العالية عن أبي الوضاح وقد أورده السيد رضي الدين علي بن طاوس في مهج الدعوات عند ذكره لدعاء الجوشن الصغير الذي هو من الأدعية المنسوبة إلى الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم (ع) وقد أشرنا إليه في ( ج ٥ ـ ص ٢٨٧ ) [ فروى أبو الوضاح محمد بن عبد الله بن زيد النهشلي عن أبيه عبد الله بن زيد الذي كان من أصحاب الإمام الكاظم (ع) قال عبد الله بن زيد إنه كان جماعة من خاصة أبي الحسن الكاظم (ع) من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال فإذا نطق بكلمة أو أفتى في نازلة أثبت القوم ما سمعوه منه في ذلك. قال عبد الله فسمعناه وهو يقول في دعائه ] إلى آخر ما كتبوه عنه من دعاء الجوشن الصغير المشار إليه. وبالجملة إن أصحاب الأئمة ( رض ) قد بذلوا جهدهم في حفظ تلك الأحاديث المشتملة على بيان الوظائف والآداب وفي ضبط ألفاظ الأدعية المأثورة عنهم وإدراجها في أصولهم وكتبهم التي ضاعت علينا منها عدة وافرة وضاعت تراجم مؤلفيها عن أئمة الرجال كما شرحنا ذلك في ( ج ٢ ـ ص ١٢٩ ـ ص ١٣٣ ) وما ذكرت أسمائها من تلك الكتب عند تراجم مؤلفيها في أصولنا الرجالية كان جلها باقيا بعينها إلى أواسط القرن الخامس كما صرح به ياقوت في معجم البلدان في مادة بين السورين ( ج ٢ ـ ص ٣٤٢ ) فذكر أن بين السورين في كرخ بغداد من أحسن محالها وأعمرها قال وبها كانت خزانة الكتب التي وقفها الوزير أبو نصر سابور بن أردشير (١)
__________________
(١) سابور معرب شاپور ولد بشيراز في (٣٣٦) وتوفي ببغداد في (٤١٦) كما أرخه ابن خلكان ـ ج ١ ـ ص ٢٠٠ كان من وزراء الشيعة للملك الشيعي بهاء الدولة الذي توفي (٤٠٣) عن نحو ثلاث وأربعين سنة ودفن في النجف عند والده فنا خسرو الملقب بعضد الدولة البويهي ، وكان مع وزارته من أهل العلم والفضل والأدب ، وكانت دار علمه التي ببغداد محط الشعراء والأدباء وقد جمع الثعالبي مادحيه خاصة في باب مستقل من اليتيمة. منها ما مدحه به أبو العلاء المعري ومدح فيه دار علمه ببغداد يظهر من ترجمته في ابن خلكان كمال اقتدار الرجل بنيل منصب الوزارة كما يظهر منه سعة صدره وبسط يده للشعراء والأدباء الوافدين إليه والمادحين له. وهذه المكانة المادية مضافا إلى ما للرجل في نفسه من الفضائل العلمية والكمالات الروحية كل منها أسباب قوية لتحريصه على جمع الكتب العلمية ووقفها لأهل مذهبه وبالخصوص النسخ النفيسة القليلة الوجود المصححة المعتبرة المزينة بخطوط مؤلفيها كما نشاهد من حال الجماعين للكتب اليوم.