في أخبار البريد وبعد :
فإنّ الأصحاب أطلقوا القول بأنّ لكلّ واحد من الذهاب والإياب حكماً بانفراده في السفر ، وقالوا لا يضمّ أحدهما إلى الآخر ، ولا يقصر في بريد إلاّ من رجع ليومه؛ بناء على أن الرجوع سفرٌ بانفراده وأنَّ العزم على السفر قبل الشروع فيه لا تأثير له ، والأخبار الصحيحة مصرّحة بضمّ الإياب إلى الذهاب والقصر في بريد ذاهباً وبريد آيباً ، وأنّ الذهاب والإياب سفر واحد ، ونحن نتلو عليك الأخبار لتنظر بعين الاعتبار وتتمسّك بما صدر عن أئمّة الهدى وتلقّاه الثقاة عمّن لا ينطق عن الهوى تمسُّك حازم ثنى عطفه عن الخيالات الفاسدة المخالفة للأخبار الصحيحة ، وطوى كشحه عن الأوهام الكاسدة المعارضة للنصوص الصريحة وسلك سبيل طالبي الحقّ من أهل الكمال الذين يعرفون الرجال بالحقّ لا الحقّ بالرجال فنقول :
اعلم أنّ الشارع جعل مسافة القصر بريدين ثمانية فراسخ وأوجب القصر على من ذهب بريداً ورجع بريداً ، لأنّ سفره مسافة بريدين ثمانية فراسخ(١) ، وأنّه الأخبار :
__________________
المسافة بين كلّ منزلين من منازل الطريق وهي أميال اختلف في عددها ، ومنه يقولون أبرد إليه أي أرسل إليه رسالة.
(١) الفرسخ : هو من مقاييس المسافة ، معرب عن الفارسية القديمة وجمعها فراسخ من برسنك الباء بالمثلّثة ، وهو يعادل ثلاثة أميال أو أربعة أو ستّة ، قال في لسان العرب : الفَرْسَخُ : السكون وقالت الكلابية : فراسخ الليل والنهار ساعاتهما وأوقاتهما .. حيث