الحجاز زخماً أكبر ، والمبالغة في تقدير حجمه في بلاد الحرمين أمر يتّسم بعدم الدقّة ، خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الفتن الطائفية التي اندلعت في بحر هذا القرن ، فقد انتشرت بين سكّان مكّة في ذلك الحين إشاعة مفادها أنّ الشيعة لا يتمّ حجّهم في مذهبهم إلاّ إذا لوّثوا الكعبة بالنجاسة ، وقد صدّق الكثير من الناس هذه الإشاعة كما هي عادة الناس عند استفحال التعقّب الطائفي لديهم ، وفي ٨ شوال ١٠٨٨هـ (٤ ديسمبر ١٦٧٧م) وقعت فتنة طائفية في مكّة المكرّمة من جرّاء تلك الإشاعة ، ننقل فيما يلي وصفاً لتلك الحادثة كما رواها رجل من أهل مكّة شاهدها بنفسه ، حيث قال ما نصّه :
«وفي سنة ثمان وثمانين وألف يوم الخميس ثامن شوّال منها وقع حادث غريب ، وكارثة عجيبة ، هو أنّه وقع في ليلته أن لوّث الحجر الأسود وباب الكعبة ومصلّى الجمعة وأستار البيت الشريف بشيء يشبه العذرة في النتن والخبث ، فصار كلّ من يريد تقبيل الحجر يتلوّث وجهه ويداه ، ففزعت الناس من ذلك ، وضجّت الأتراك واجتمعت ، وغسل الحجر والباب والأستار بالماء ، وبقي الأتراك والحجّاج والمجاورون في أمر عظيم ، وكان إذ ذاك رجل من فضلاء الأروام يلقّب درس عام ، فكان يرى جماعة من الأرفاض بالمسجد الحرام ، وينظر صلاتهم وسجودهم وحركاتهم عند البيت والمقام ، فيحترق لذلك ويتأوّه ، فلمّا وقع هذا الواقع قال : ليس هذا إلاّ فعل هؤلاء الأرفاض اللئام ، الذين يلازمون المسجد الحرام ، وكان حينئذ مع قضاء الملك العلاّم ، السيّد محمّد مؤمن الرضوي قاعداً خلف المقام ، يتلو كتاب الله ذي